المعركة بين السلطة والمعارضة في إيران.. إلى أين؟

TT

في الذكرى الثلاثين لاحتلال السفارة الأمريكية في طهران خرجت يوم الأربعاء 4 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري تظاهرات لطلبة المدارس والجامعات من أنصار النظام الإسلامي في إيران كما هو معتاد كل عام واتجه المتظاهرون نحو السفارة الأمريكية سابقا مرددين شعارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، مؤكدين على مواصلة الموقف الحكومي الإيراني من الولايات المتحدة وهو عدم إجراء حوار ومحادثات معها طالما لم تغير الولايات المتحدة موقفها من إيران وهذا هو موقف المرشد الأعلى لإيران آية الله خامنئي الذي أعلنه قبل يوم من إقامة هذه الذكرى.

وتزامنا مع هذه المظاهرات، خرج معارضو النظام في تظاهرة وسط العاصمة طهران مرددين شعارات معادية للنظام وشعارات تؤيد المرشح الرئاسي مير حسين موسوي.

والملاحظ أن أغلب المتظاهرين الذين تجمعوا في ساحة (7 تير) وأطلقوا شعارات ضد الحكومة هم من الشباب وطلبة الجامعات والخريجين والمثقفين ومن أبناء الطبقة الغنية والميسورة التي لا ترى استمرار حكومة رجال الدين في صالحها وتدعو إلى التغيير الجزئي أو الكامل في الحكم. وأغلب هؤلاء يعارضون استمرار المواقف المتشددة للحكومة ويدعون إلى الانفتاح على الغرب والولايات المتحدة ولا يرون موقف الحكومة من دعم القضية الفلسطينية وحزب الله ومعاداة الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب صائبا بل يدعون إلى التغيير في الحكم والنمط الاجتماعي والثقافي وإطلاق الحريات بأنواعها وإقامة حكم علماني لا ديني كما أنهم متذمرون من الوضع الاقتصادي وانتشار البطالة والفساد والمحسوبية.

ومن الطبيعي أن من يدعمون الحركة الخضراء التي أطلقها المرشح مير حسين موسوي ليسوا جميعا يؤمنون بمبادئ موسوي وقادة الحركة الإصلاحية وإنما هم يتخذون من شعارات موسوي ذريعة لمهاجمة النظام والعمل على الإطاحة به وإقامة حكم علماني مكانه.

المعارضون لحكم رجال الدين يعرفون جيدا من هو موسوي. فمير حسين موسوي تولى في بداية الثورة رئاسة تحرير صحيفة «جمهوري إسلامي» أول صحيفة ثورية في إيران، ووقف في وجه منظمة مجاهدي خلق بمقالاته وافتتاحياته وكان قد تولى منصب وزير الخارجية، وخلال الحرب العراقية ـ الإيرانية تولى لمدة ثماني سنوات رئاسة الوزراء وعرف في الأوساط الشعبية بنزاهته وحسن إدارته للبلاد أيام الحرب، ولكنه اعتزل السياسة لمدة عشرين عاما وأخيرا قرر خوض الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو (حزيران) الماضي. وهو ابن الثورة والمدافع عنها وهو إلى الآن يدعم حكومة ولاية الفقيه ويدعو إلى مواصلة نظام الجمهورية الإسلامية ولا يدعو إلى إسقاط النظام الحالي.

وحجة الإسلام هاشمي رفسنجاني الذي اتخذ بعد أعمال العنف الأخيرة موقفا معتدلا ودعا إلى حل الأزمة في إيران عن طريق الحوار بين مختلف الفرقاء هو أحد قادة الثورة الكبار الذين قاموا بدور ريادي خلال ثلاثين عاما من عمر الثورة ولعب دورا كبيرا منذ انتصار الثورة وتولى مناصب قيادية منها عضو في مجلس قيادة الثورة ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أيام الحرب مع العراق ورئيس مجلس الشورى (البرلمان) ورئيس للجمهورية لولايتين ورئيسا لمجمع تشخيص النظام وأخيرا رئيسا لمجلس الخبراء.

وحجة الإسلام محمد خاتمي زعيم الحركة الإصلاحية الذي دعم المرشح الرئاسي موسوي تولى في بداية انتصار الثورة منصب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي في عهد الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، ولكنه اضطر إلى تقديم استقالته بسبب وقوف المحافظين في وجهه واعتبار خطواته الإصلاحية، وخاصة منحه الحريات الصحفية والثقافية خطوات خطيرة تعرض مبادئ الثورة الإسلامية للخطر، ولكنه بعد سنوات من العزلة، ترشح في الانتخابات الرئاسية عام 1997 وفاز فوزا ساحقا على منافسه المحافظ حجة الإسلام أكبر ناطق نورى. واستمر حكمه لولايتين أي ثماني سنوات وبعدها دخل المجال الثقافي وانشغل بحوار الحضارات، ولكنه لم يعتزل السياسة وترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2009، ولكنه انسحب من المعركة الانتخابية فاسحا المجال لصديقه مير حسين الموسوي ليخوض الانتخابات.

وحجة الإسلام مهدي كروبي الذي يقف الآن إلى جانب مير حسين موسوي ويعتبر معارضا للنظام تولى بعد انتصار الثورة عام 1979 مناصب قيادية كبرى نظرا لماضيه الثوري وتحمله التعذيب في سجون الشاه. فقد عين رئيسا لمؤسسة الشهيد، حيث كانت المؤسسة تتولى دعم عوائل شهداء الثورة والحرب العراقية الإيرانية وتولى لفترات عديدة رئاسة البرلمان وكان ضمن رجال الدين المتشددين الذين وقفوا في وجه المجموعات المحافظة منذ أول الثورة وحتى يومنا هذا وقد استقال مهدي كروبي عندما هزم في الانتخابات الرئاسية عام 2005 أمام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من جميع مناصبه وأسس حزب اعتماد ملى وترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 يونيو (حزيران) الماضي ولم يتمكن من الفوز فيها.

وفي مقابل التيار الإصلاحي الذي يدعو الآن إلى إصلاحات في الحكم ويتزعمه مير حسين موسوي يقف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وزعماء التيار المحافظ في مواجهة دعوات التغيير، مؤكدين مواصلة الطريق حتى النهاية، مؤكدين بأن الشعب الإيراني يدعمهم وأن 24 مليون إيراني قد صوتوا لأحمدي نجاد وأن على المرشحين الخاسرين (موسوي وكروبي) القبول بنتائج الانتخابات والقبول بالأمر الواقع وعدم الانتقاص من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

وكان المرشح مير حسين موسوي قد دخل المعركة الانتخابية بقوة ولكن نتائج الانتخابات أظهرت هزيمته أمام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إذ حصل على 13 مليون صوت مقابل 24 مليون صوت للرئيس محمود أحمدي نجاد.

واحتج موسوي وكروبي على نتائج الانتخابات واتهما الحكومة بتزويرها ووقف المعارضون للحكومة مع موسوي وكروبي وخرجوا في مظاهرات حاشدة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، حيث وقعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن وقوات البسيج وحرس الثورة قتل إثرها العشرات واعتقل المئات من المتظاهرين، كما اعتقل قادة الإصلاحيين ومنهم عدد من قادة الطلبة الذين احتلوا السفارة الأمريكية في 4 نوفمبر 1979 واحتجزوا 52 من الدبلوماسيين الأمريكيين لمده 444 يوما أطلقوا سراحهم بوساطة جزائرية.

فالمعركة الانتخابية التي جرت في إيران رافقتها مواقف متشددة من الطرفين وقد مهدت هذه المواقف المتشددة إلى الأوضاع التي تمخضت عنها الانتخابات.

وكان النظام في إيران قد قرر قبل إجراء الانتخابات الرئاسية إفساح المجال أمام المرشحين الأربعة أحمدي نجاد وموسوي وكروبي ورضائي ليشاركوا في مناظرات تلفزيونية وليشرحوا برامجهم المستقبلية وخططهم لإدارة البلاد إذا ما فازوا في الانتخابات الرئاسية.

وقد خصص التلفزيون الحكومي قبل أيام من إجراء الانتخابات الرئاسية أوقاتا معينة لكل مرشحين اثنين للمشاركة في مناظرة تبث على الهواء مباشرة وهذه المناظرات اجتذبت الملايين من المشاهدين الذين كانوا يتسمرون أمام الشاشة ليروا ماذا يقول كل مرشح عن برامجه المستقبلية. وكانت هذه المناظرات قد شجعت المواطنين على المشاركة في الانتخابات، حيث صوت 40 مليون شخص في الانتخابات ووصلت نسبة المشاركة إلى 85 في المائة.

ففي المناظرة التلفزيونية التي لم تكن مناظرة بين منافسين للانتخابات الرئاسية بل كانت هجوما وهجوما مضادا بين شخصيتين سياسيتين لهما تجربة سنوات من الحكم، تحولت هذه المناظرة إلى حرب كلامية بين الجانبين يتهم كل منهما الآخر بالكذب والمؤامرة والتواطؤ والضحك على ذقون الشعب وتبديد الأموال العامة والعبث بالاقتصاد والجهل والنفاق.

لقد خرجت هذه المناظرة من إطارها التنافسي إلى الهجوم الشخصي والفئوي بين الرئيس أحمدي نجاد والمرشح مير حسين موسوي وقد اتهم الرئيس أحمدي نجاد كلا من أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي بالتآمر عليه شخصيا للإطاحة به وفي المقابل وصف موسوي الرئيس أحمدي نجاد بالكذاب والذي يقدم أرقاما مزورة وكاذبة عن الوضع الاقتصادي والمعيشي للشعب.

ويرى العديد من الشخصيات المعتدلة في إيران أن الطريق الوحيد لحل الأزمة المستعصية والمعركة الدائرة هو الحوار بين السلطة والمعارضة المتمثلة بشخصيات إصلاحية ومنهم مير حسين موسوي ومهدي كروبي والرئيس السابق محمد خاتمي والرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني ويقترحون تدخل رجال دين كبار وعلى رأسهم آية الله مهدوي، والوساطة بين الطرفين وإنهاء الخلاف بين زعماء النظام الذين انقسموا بعد الانتخابات الأخيرة.

ولكن المتشددين في التيارين، وخاصة في التيار المحافظ يعارضون الدخول في حوار مع هؤلاء الزعماء بل يدعون إلى اعتقال موسوي وكروبي ومحاكمتهما بتهمة التحريض على أعمال العنف وطرح تهم التعذيب والاعتداء الجنسي على المعتقلين والمس بسمعة النظام الإسلامي.

وطالما لم يتوصل الطرفان إلى حل وسط ولم يقبلا بوساطة العقلاء، فستبقى الساحة السياسية الداخلية مشحونة بأجواء التوتر وسيستغل المعارضون المناسبات للخروج إلى الشارع والإعلان عن مواقفهم المعارضة للنظام.

* كاتب وصحافي إيراني