الجريمة والعقاب والجريمة

TT

وضعت منظمة العفو الدولية تقريراً مؤسفاً ومخيفاً عن المعاملة التي تتعرض لها بعض السجينات في لبنان، خصوصاً العاملات الاجنبيات منهن. وكانت ردة فعل الدولة على التقرير انها امرت بالتحقيق في التهم، واوكلت الامر الى القاضية ربيعة قدورة، وهي سيدة تولت في الماضي مجموعة من القضايا الصعبة. واذ سارعت الدولة الى عمل ما، الارجح انه لن يكون شكلياً ولا عابراً بوجود ربيعة قدورة، فان رد فعل المجتمع اللبناني نفسه كان اكثر فظاعة مما ورد في التقرير عن حالات التعذيب والاغتصاب. وبدا ان ايا من المؤسسات المدنية لم تطلع عليه. او ان الجميع قرأوه واداروا وجوههم. وباستثناء مقال افتتاحي في «النهار»، ومقال آخر للدكتورة منى فياض الاستاذة في الجامعة اللبنانية، لم اقرأ كلمة اعتراض واحدة على حالة بشرية لا تليق بلبنان. وللدكتورة فياض كتاب بعنوان «السجن مجتمع بري» (1999) يتناول سجون الذكور. وقد دفعها الى وضع دراستها هذه كون والدها قد امضى عامين في السجن وهي طفلة «لاسباب عائلية». غير ان الشهادات الواردة في الكتاب عن السجناء لا تقارن بما روت السجينات عن ضروب الاذى النفسي والجسماني.

طبعا، السجون ليست فنادق، ولبنان ليس السويد. انها امكنة يقضي فيها المحكوم فترة العقوبة لما ارتكب. وجميع الذين واللواتي تحدثوا الى المنظمة او الى منى فياض، لم ينفوا التهم التي ادينوا بها. فالمشكلة اذن ليست في الاحكام بل في تنفيذها. والقضية هنا ان الجريمة التي ارتكبها محكوم، لا يمكن في اي حال ان تبرر جريمة يرتكبها شرطي. والجريمة الفردية لا تعاقب بجريمة محمية، كالاغتصاب او التعذيب. ولن اكون عضواً في جمعية الدفاع عن السجناء. لكننا جميعاً نعرف ان السجون في العالم العربي مدرسة للارتكاب وليس للاصلاح. وهي تدمّر من يدخلها سواء كان محكوماً بعامين او بالمؤبد. اي سواء سوف يعود الى مجتمعه وعائلته وحياته الطبيعية ام لا. وبسبب تزايد الجريمة ضاقت السجون، ولم يعد ممكننا العناية باحوال السجناء كما كان الأمر من قبل، حيث كانت مشاغل يدوية ومراكز عمل اضافي. غير ان عدد المرتكبين لا يبرر اطلاقاً الارتكاب باسم القانون ولا تحت قبعته. والشرطي الذي يرتكب هو مجرم خارج القضبان، او لم يبلغ امره الى القضاء. مع العلم ان احدى السجينات نفت بلسان محاميها تعرضها للاغتصاب كما ورد في التقرير.

صدف خلال الايام القليلة الماضية، ان وردت في الصحف والاذاعات الاخبار التالية: السجناء في بريطانيا يطالبون بمضاعفة البدل الذي يعطى لهم لدى نهاية الاحكام وخروجهم من السجن، لان تكاليف المعيشة تضاعفت، وفي السويد يعلن لاجئ الباني انه قادم للعيش في سجونها، لما سمع عن رغد العيش فيها، وفي الولايات المتحدة ارتفع عدد المحكومين بنسبة لم تعد مقبولة: مليونان في السجون، يرتفع عدد سكان الجدران العالية في كل مكان. والجريمة تدمّر حياة المجتمعات الكبرى، وتحول البيوت نفسها الى سجون لا يجرؤ سكانها على الخروج منها بعد ساعة معينة من المساء. ومع ذلك فان شكل العقاب هو شكل العقاب. والاغتصاب جريمة لا عقابا. وكذلك التعذيب.