الوجه الآخر لشارون

TT

جهاز الاغتيالات والتصفيات او، بمختصر مفيد، جهاز الارهاب الرسمي في اسرائيل، لا يزال بالف خير.

هذا على الاقل ما يمكن استخلاصه من تقرير رسمي اظهرت نتائجه الاولى ان فشل محاولتي اغتيال عدنان الغول ـ احد قادة كتائب عز الدين القسام ـ في غزة، والعقيد جهاد المسيمي في نابلس يعود لاسباب عملانية تتعلق بـ«الاداء» الميكانيكي لطائرتي الهليكوبتر المستخدمتين في العمليتين وليس لتقصير في «تقنية» التنفيذ.

أن يفشل رابع اقوى جيش في العالم، في أقل من 24 ساعة، في تنفيذ محاولتين مدروستين على اعلى المستويات القيادية لاغتيال ناشطين فلسطينيين في غزة والضفة الغربية... أمر لا تقبله ذهنية التفوق الاسرائيلي على كل الصعد، فكم بالحري على صعيد الارهاب الرسمي في عهد ارييل شارون بالذات؟ لذلك لم يكن مستغربا ان تكلف المؤسسة العسكرية الاسرائيلية لجنة خاصة للتحقيق في اسباب فشل طائرتي هليكوبتر حربيتين مزودتين باحدث اجهزة الردع الامني، في «تصفية» مسؤولين في المقاومة الفلسطينية ولتعيد الاعتبار الى «سمعة» القيادة العسكرية، خصوصا في اعقاب ذلك الاخفاق المشين في اغتيال عدنان الغول، وهو اخفاق وصفته المصادر الامنية الاسرائيلية بانه كان «اكبر فرصة هدرت» منذ بدء المواجهات في الاراضي المحتلة. تحميل التقرير العسكري الاداء الميكانيكي لطائرتي الهليكوبتر مسؤولية فشل عمليتي الاغتيال في غزة والضفة لم يشكل فقط مدعاة اعتزاز لوزير الدفاع الاسرائيلي، بنيامين بن اليعزر ـ الذي اعتبر ان سياسة «التركيز الوقائي» (وهي التسمية الاسرائيلية لسياسة الاغتيالات) «اثبتت جدواها» ـ بل شكل ايضا تبريرا متجددا لمواصلة الجيش الاسرائيلي تنفيذ مخطط الاغتيالات الشاروني.

ربما اعاد تقرير لجنة التحقيق الاعتبار للقيادة العسكرية الاسرائيلية، ولو الى حين. الا ان ما يخفق التقرير في اعادة الاعتبار اليه هو المؤسسة العسكرية ككل، فحين تصبح مهمة رابع اقوى جيش في العالم تنفيذ سياسة اغتيالات رسمية، وحين يصبح شغلها الشاغل تسخير معداتها الحربية المتقدمة لتعقب افراد وتصفيتهم... تصبح هذه المؤسسة، في احسن الحالات، جهاز شرطة داخلية بلباس عسكري، وفي اسوأها ذراعا تنفيذيا لمافيا سياسية حاكمة قد يكون افضل دليل عليها تصريحات نائب وزير الامن الداخلي، جدعون عزرا، الداعية الى «تصفية» اقارب الانتحاريين الفلسطينيين.

شيئا فشيئا يتحول الجيش الاسرائيلي في عهد شارون الى آلة قمع داخلي تحسد اسرائيل عليه أكثر الدكتاتوريات التصاقا بقواتها المسلحة. وقد يكون مكسب اسرائيل على هذا الصعيد ان تصبح هذه «المنارة الوحيدة» للديمقراطية في الشرق الاوسط افضل اخصائي في اسداء النصح للانظمة الديكتاتورية في مواضيع قمع الانتفاضات واستطرادا الحريات العامة.

قد لا تحتاج اسرائيل الى لجنة ثانية للتحقيق في ما آلت اليه سمعة مؤسستها العسكرية، فقد اصبحت امتدادا لسمعة رئيس مؤسستها السياسية، ارييل شارون. ويكفي رفض العديد من الجنود والضباط الخدمة في الاراضي المحتلة كـ«شرطيين» لا جنود مهمتهم الدفاع عن بلدهم، لابلاغ القيادة العسكرية ان القاعدة البشرية في جيشها تمر بأزمة هوية... ان لم يكن ازمة ضمير لا تزال مستعصية على القيادة السياسية حتى الآن.