الرئيس الأسد والنصيحة المفاجئة

TT

فاجأ الرئيس السوري الأتراك، والرأي العام العربي، حينما نصح تركيا بضرورة أن تكون لها علاقات جيدة مع إسرائيل، ليتسنى لها القيام بدور الوساطة بين دمشق وتل أبيب. جاء ذلك حين أجاب الرئيس بشار الأسد على سؤال لصحيفة «حرييت» التركية، مفاده عما إذا كان يحبذ علاقات مع بلد إسلامي علاقاته سيئة مع أوروبا وضد إسرائيل، أم بلد علاقاته طيبة مع أوروبا ويتعايش مع إسرائيل.

إجابة الأسد كانت أنه «إذا رغبت تركيا في مساعدتنا في موضوع إسرائيل فينبغي أن تكون لديها علاقات جيدة بهذه الدولة». وأضاف متسائلا «كيف يمكنها في حال العكس أن تلعب دورا في عملية السلام؟».

وما قاله الرئيس السوري صحيح تماما، فالشعبية التي تجنيها تركيا اليوم من توتر علاقاتها مع إسرائيل لن تكون لها جدوى تذكر في حال أرادت أنقرة أن يكون لها دور بعملية السلام، وقضايا المنطقة، ومنها بالطبع إيران، خصوصا أن التصريحات التركية الأخيرة على لسان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حيال الملف النووي الإيراني، والتي أظهرت ليونة تخالف الموقف الغربي، أو الموقف العربي، كانت بمثابة المفاجأة للكثيرين، بل وأثارت قلقا من التوجهات التركية، حيث لم تظهر تركيا في موقف الوسط، بل باتت طرفا، حين ظهرت وكأنها تدافع عن إيران. صحيح أن الدول العربية لن تعترض علنا على التصريحات التركية، لكنها ستكون مرتابة من صدق نوايا أنقرة، وجدوى تدخلها في قضايا المنطقة برمتها.

ولذا فإن الموقف التركي تجاه إسرائيل، سواء الاعتراض على ما حدث في غزة، أو التعنت الإسرائيلي تجاه عملية السلام، لا يعني أن على الأتراك أن ينتقلوا إلى صفوف المحبطين، فلا إحباط في السياسة، بل عمل دؤوب، ومصالح تستطيع التأثير، وهذا أمر لا يتسنى من خلال القطيعة، أو الاستمتاع بالشعبية.

وللأسف، وكما يعرف الساسة، فإن القرارات المصيرية، كثيرا ما تكون غير شعبية، ولكن على السياسيين الخوض في تلك المسائل، بل وتنوير الرأي العام ليتفهم المصالح المترتبة على ذلك، وفي حالة الدور التركي فهناك مصالح تركية مهمة يجب أن لا تتأثر، وأبــرزها مشروع الانضمام إلى أوروبا، والذي جزء منه أن تكون تركيا جسرا بين الغرب والعرب.

ولذا فقد أحسن الرئيس السوري صنعا عندما وجه النصيحة للأتراك علنا وليس خلف الأبواب المغلقة، فإذا ما أرادت تركيا أن تكون طرفا مساعدا، وفعالا، في قضايا المنطقة، لا طرفا يبحث عن شعبية، فليس أمامها إلا أن تكون منفتحة على الجميع، بما فيهم إسرائيل، وهذا لا يعني الارتماء بأحضان الدولة العبرية، كما لا يعني الارتماء بأحضان إيران، فبمقدار ما أن هناك عداء لإسرائيل بالمنطقة فإن هناك توجسا من نوايا طهران أيضا.

إذا أراد السيد أردوغان لعب دور مؤثر بالمنطقة فليس له إلا منطقة الوسط، أما عدا ذلك فلدينا طابور طويل من الباحثين عن الشعبية، وترديد الشعارات، دون إطلاق رصاصة لتحرير الأراضي العربية، وإن أطلقوا رصاصا فعادة ما يطلقونه تجاهنا، وليس تجاه إسرائيل.

[email protected]