أقرع ونزهي!

TT

تمكن رجال البحث والتحري من القبض على موظف نقل الأموال الهارب بمليون و600 ألف ريال يوم السبت الماضي بعد نحو أسبوع من ارتكاب جريمته، ولم يجدوا في حوزته من المبلغ ـ عند القبض عليه في جدة ـ سوى مليون ومائة ألف ريال، فلقد بدد اللص خلال أسبوع واحد على نزواته المكبوتة نحو نصف مليون ريال، فأهدافه من السرقة لم تكن تتجاوز ـ في الغالب ـ رغبة العيش عدة أيام على الموجة العريضة، وليكن بعدها الطوفان، فهو يدرك سلفا أنه سيقع في قبضة الأمن، وأن فراره لن يدوم طويلا، قبل أن يجد نفسه وحيدا في زنزانة يجتر خيبته، فهو ينطبق عليه المثل «أقرع ونزهي». وسيكولوجية هذا اللص لا تختلف عن سيكلوجية الكثير من اللصوص، فهم ذات طبيعة آنية، يرتكبون أبشع الجرائم من أجل متع وقتية يعرفون أنها قصيرة وسريعة، ويعقبها الألم.

ضعاف النفوس من المحرومين والمعدمين يصابون بصدمة المال، حينما يجدون أنفسهم في أعمال تضعهم وجها لوجه مع الملايين، وتحت تأثير هذه الصدمة قد يفقد البعض رشده وصوابه وبصيرته، ويظل هؤلاء ندرة، وقلة، فالقاعدة العظمي يمثلها الشباب الشرفاء الذين يعملون في شركات نقل الأموال بأجور متدنية جدا، لا تراعي خطورة مهامهم، ولا تعقيدات مسؤولياتهم، فتجدهم يعيشون وسط الملايين يوميا، ويكتفون ـ رغم فقرهم ـ من التعامل مع الأموال بنظافة اليد وطهارة النفس وراحة الضمير.

في حينا الشعبي العتيق «الهنداوية» بمدينة جدة، حينما كان الفقر يضرب أطنابه في أزقته ودروبه، وصل أحد الجيران إلى وظيفة صرّاف في مؤسسة النقد، فكان عمله يقتضي منه يوميا أن يحسب يدويا مئات الآلاف من العملات الورقية، قبل ظهور مكائن العد الآلي، وبلغ خبر عمله مجذوب الحي، فكان ينتظر الرجل ظهيرة كل يوم، حينما يعود من عمله ليشم ظاهر كفه وباطنه قبل أن يمضي في سبيله، ولم يكف عن هذه العادة اليومية إلا حينما أحيل الرجل إلى التقاعد، وكان شعاره أن للنقود رائحة لا يشمها المترفون.

وبعد أن تكررت حوادث سرقة الأموال المنقولة من قبل العاملين عليها، واكتشاف وجود من له صحيفة سوابق من العاملين في نقل الأموال، فإن من الضروري جدا إعادة تقييم النهج الذي تسير عليه هذه الشركات في اختيار موظفيها، ورفع رواتب العاملين إلى مستوى مسؤولياتهم، فذلك من شأنه ترغيب المزيد من الشباب الكفء للإقبال على هذا النوع من العمل الذي يتطلب الرشد والصلاح والاستقامة، وإلا فإن مسلسل الهروب بالأموال سيتواصل، ومن يضمن أننا سنصل في كل مرة إلى اللصوص قبل أن تتبخر الأموال في نزواتهم ومتعهم السريعة الخاطفة؟!

[email protected]