التقويم القندري

TT

إنني لست من عشاق التلفزيون وقلما أشاهد برامجه أو نشراته. لا أشارك فيها ولا أتتبعها، ولهذا كثيرا ما أجد نفسي ضائعا بين مفرداتها. ومن ذلك أن زميلي الفنان نوري مجيد ذكر لي شيئا عما يجري في منطقتنا. قلت له: وأين سمعت بذلك؟ قال: في القنوات. قلت: ماذا تعني بالقنوات؟ أي قنوات؟ قنوات المجاري؟ تدخلت زميلة صديقة قالت: ما سامع؟ يعني الفضائيات مثل البغدادية.

ـ البغدادية؟ هل هذه تمثيلية غرامية؟

عاد الزميل لينير لي طريقي فقال: هذي هي المحطة التلفزيونية التي كان، أو ما زال يشتغل فيها منتظر الزيدي.

- آسف! لكن منو هو هذا، الزيدي والا الزبيدي..؟

- هذا التلفزيوني الشاب الذي ضرب بقندرته الرئيس بوش في بغداد.

- أوه! الآن بدأت أفهم.

أصبح قذف جورج بوش بقندرة الزيدي من الأحداث التي تذكرنا وتنير لنا طريقنا في فهم كثير من الأحداث الأخرى. وهذا ما جرى لي عندما رحت أعاتب أحد أصدقائي على عدم جوابه على رسالة لي. قال: بل أجبتك عليها، وأتذكر تماما ذلك، لأنني وضعت الجواب في صندوق البريد في اليوم الذي ضرب فيه منتظر الزيدي جورج بوش بالقندرة. أتذكر ذلك تماما. وكيف أنساه!

والظاهر الآن أن كثيرا من الناس أخذوا يؤرخون أعمالهم ومواعيدهم بقندرة الزيدي وقذفها على جورج بوش. أسمعهم يقولون: ابن عمي محمود تزوج بعد أسبوعين من يوم ما ضرب منتظر جورج بوش بالقندرة. وتسأل صبيا يبيع فلافل في دمياط عن عمره فيقول: والله يا أستاذ ما اعرفشي، ولكن امي تقول إني ولدت بعد سنتين من يوم ما ضرب الواد العراقي منتظر الخواجة الأمريكي بالكندرة. ويتجادل القوم ويتصايحون عن مجزرة غزة، هل وقعت قبل أم بعد ضربة بوش بالقندرة.

ويوحي لي ذلك بأنه سيأتي زمن يؤرخ فيه الباحثون والمؤرخون أحداث البلاد العربية والإسلامية برمتها بالإشارة إلى ذلك اليوم. يقولون مثلا إنه تم إطلاق سراح المقرحي بعد سنتين من ضرب جورج بوش بالقندرة. ويذكرون أن كاظم الساهر غنى «عبرت الشط عالمودك» قبل عشرين سنة من ضربة بوش بالقندرة.

وتمر الأيام وتمضي الأعوام والقرون ويفتح أحفادنا كتب التاريخ والآثار فيقرأون أن بغداد كانت مدينة مزدهرة ذات مجد تليد حتى أساء القوم إدارتها فغضب الله عليها وسلط عليها عواصف ترابية عرفت بالعجة فاندثرت تحت التراب وانمحى ذكرها حتى جاء منقبون يهود من إسرائيل واكتشفوا موقعها بعد تسعمئة سنة من ضربة بوش بالقندرة. وجدوها بجانب نهر جاف كان يدعى نهر دجلة. وهي تسمية أطلقتها عليه أقوام انقرضت بعد مئتي سنة من ضربة القندرة عرفت أنثروبولوجياً بالعرب. انقرضت لعجزها عن التطور كبقية الأحياء.

وهكذا سيظهر تقويم جديد لا شمسي ولا قمري وإنما قندراتي، ينسب كل شيء إلى قندرة الزيدي. فيقال إنه تم اكتشاف قارة أستراليا قبل ألف سنة من ضربة بوش بالقندرة، وتسأل زميلك عن سقوط غرناطة فيقول: والله لا أعرف ذلك بالتاريخ الميلادي، ولكن بالتاريخ القندري جرى ذلك قبل 1516 قندرة.