2010: احتمالات الحرب والسلم

TT

منذ الحرب الإيرانية/ الإسرائيلية علي أرض لبنان (2006)، ابتعد محور الحرب عن العرب، ليستقر في سقف آسيا، على جبال باكستان وأفغانستان. الهدوء النسبي الذي ساد المنطقة العربية، سمح بتصاعد الأمل في تسوية سياسية، وإقامة دولة فلسطينية، إلى أن انفجرت في غزة الحرب الإيرانية/ الإسرائيلية الثانية (2008/2009).

في الحربين، مات العرب بالنيابة عن الإيرانيين. قُتل 1200 لبناني. و1400 فلسطيني. منذ حرب غزة، راح التوتر يتصاعد في المنطقة. تراجع منطق التسوية. ساد مجددا منطق المواجهة بين إيران وإسرائيل، ليضع العرب أمام احتمال انفجار حرب إيرانية/ إسرائيلية ثالثة في عام 2010.

قبل أن يموت العرب في مشروع حرب ثالثة، من حقهم أن يراجعوا بدقة احتمالات الحرب والسلم، وهم على أهبة استقبال عام رمادي جديد، عام يوحي بالتشاؤم أكثر مما يوحي بالأمل.

بعد انفضاح برنامج إيران النووي السري، تنهمك إيران وإسرائيل في سباق تسلح محموم. إسرائيل تركز على اقتناء وتطوير صواريخ عابرة للقارات. وصواريخ مضادة للصواريخ. ثم قنابل الأعماق التي تزودها بها أميركا. وتقصف بها حاليا أنفاق حماس على حدود غزة مع مصر. لا شك أن إسرائيل ستحصل على النسخة الأميركية المطوَّرة منها، الصالحة لقصف منشآت إيران النووية. وتملك إسرائيل طائرات من دون طيار، للاستكشاف وتوجيه الصواريخ. كذلك تطور تقنية تزويد الطائرات بالوقود في الجو، لتمكينها من الطيران إلى مسافات، تزيد عن ألفي كيلومتر.

أما إيران فهي أيضا تركز على إنتاج صواريخ عابرة للقارات، تغطي منطقة الخليج وتركيا وأفغانستان وآسيا الوسطى والمشرق العربي، بما في ذلك إسرائيل ومنشآتها النووية. ولعدم امتلاكها طيرانا يُضاهي الطيران الإسرائيلي، فهي تجتهد لتحصل من روسيا وغيرها، على منظومات دفاع جوية، تحمي بها منشآتها النووية والنفطية. غير أن اهتمام إيران الأكبر ينصرف إلى تزويد «حزب الله» وحماس بالإسمنت المسلح! لتَدْرِيع الأنفاق الأرضية التي ثبتت فاعليتها في إعاقة الهجوم البري الإسرائيلي على جنوب لبنان. في حصار غزة، تمنع إسرائيل «حماس» من الحصول على الإسمنت، خشية استعماله في بناء الأنفاق الدفاعية. لا شك أن «حزب الله» بنى شبكة أنفاق واسعة، في شمال نهر الليطاني وجنوبه. تشاركها في ذلك منظمة أحمد جبريل التي تموِّلها إيران وسورية.

أيضا، إيران وسورية تنتجان كميات كبيرة من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى التي تغطي معظم إسرائيل. وقد زودتا «حزب الله» بعشرات الألوف منها، فيما جري ويجري تسريب صواريخ مماثلة إلى غزة. بعضها قادر على الوصول إلى الساحل ووسط إسرائيل (تل أبيب والقدس). وتُجري «حماس» تجارب بحرية عليها.

موقف إيران النووي يتحكم بآفاق الحرب مع إسرائيل وأميركا. تمكنت مراكز القوى المدنية والعسكرية، بما فيها أجنحة في الحرس الثوري، من إحباط موافقة الرئيس نجاد الأولية على اتفاق جنيف (الأول من نوفمبر الحالي).

بات مرجَّحًا رفض إيران، رسميا، تصدير وقودها النووي إلى روسيا، ففرنسا، لتخصيبه للاستعمالات السلمية. إيران تتوجس من احتمال عدم إعادة هذا الوقود إليها، في الوقت الذي تواصل تخصيب كميات أخري من الوقود، إلى درجات عالية، بحيث تصبح صالحة لصنع القنبلة النووية.

في تقدير معظم خبراء الإستراتيجية النووية الغربيين، باتت إيران تملك تقنية صنع القنبلة والوقود اللازم لها. وهي قادرة على تجميعها وتركيبها. إذا كان هذا التقدير صحيحا، فهو يلغي ضرورة قصفها، وإنما الاكتفاء بتشديد العقوبات عليها، كمنع وصول مشتقات النفط المكررة التي تحتاجها في حياتها اليومية.

إذا لم تفلح الضغوط والعقوبات الاقتصادية المشدَّدة، في لَيِّ ذراع إيران النووية، عندئذ يصبح قصفها محتَّمًا، في تقدير حكومة نيتنياهو. الانتظار لن يتجاوز مارس (آذار) المقبل. وهكذا، فالعرب أمام احتمال نشوب حرب في المنطقة، خلال النصف الأول من العام الجديد.

الحرب لن تقتصر على القصف الصاروخي والجوي. إيران أعدَّت «عربها» أيضا للحرب. في أي قصف جوي لإيران، سيتلقى «حزب الله» أمرا إيرانيا بإطلاق صواريخه على إسرائيل. والمرجح أن تفعل «حماس» ذلك أيضا. قوة حفظ السلام الدولية عاجزة عن ردع الطرفين. إسرائيل قالت سلفا إن حربها المقبلة مع الحزب، ستتناول بالقصف المدمر كل المرافق والمناطق اللبنانية.

في حالة تطوير الهجوم الإسرائيلي باستخدام القوة البرية، فهذا يعني احتمال مهاجمة سورية، وتَحَمُّل خسائر بشرية إسرائيلية فادحة. التحذير الإنذاري لسورية، وُجِّه علنًا قبل وبعد تشكيل أشد حكومات إسرائيل تطرفا وعداء للعرب. لانعدام تكافؤ القوي العسكرية، فقد عدَّلت سورية استراتيجيتها الدفاعية، بإنشاء حصون وإنفاق لصيد الدبابات، وعرقلة التقدم البري، أي اعتماد شكل من أشكال «الحرب الشعبية».

إيران قادرة على مواصلة حرب طويلة الأمد. لكن إسرائيل ليست بقادرة على شن حرب تستغرق شهورا، لأسباب بشرية ولوجستية. من هنا، فمحاولتها حسم الحرب بتقويض سريع لقوة «حزب الله» في لبنان، وبالاقتراب البري والمدفعي من دمشق، عبر سهل البقاع، أو مباشرة من جبهة الجولان، هذه المحاولة قد تؤدي إلى توسيع نطاق الحرب. ربما بتدخل مصر. وهو احتمال ضعيف. لكن التدخل التركي احتمال كبير، منذ أن باتت تركيا، في غيبة العراق، هي العمق الاستراتيجي للنظام السوري.

سواء شاركت، أو لم تشارك إسرائيل، فاحتمال سماح إدارة أوباما لها، باستخدام القواعد الأميركية الجوية في أفغانستان المجاورة لإيران، هو خيار قوي ومرجح. السبب الرفض التركي للسماح لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي. لكن السبب الأكبر هو رفض السعودية ودول الخليج طلب أميركا السماح لإسرائيل، في إطار «التطبيع»، بالتحليق في أجواء الخليج، بحجة الوصول إلى أسواق آسيا. دول الخليج لم يغب عن حسابها، أن «التطبيع الجوي» الذي تلح عليه حكومة نيتنياهو، سيسمح لإسرائيل بقصف إيران بسهولة. يبدو أن إيران لا تقدر هذا الموقف لدول الخليج التي لا تريد التورط في مواجهة معها. من باب الاحتياط والحذر، فقد أجرت السعودية، منذ أسابيع قليلة، مناورات جوية استخدمت فيها منظومة حديثة من صواريخ «باتريوت» المضادة للصواريخ، تحسُّبا لرد فعل إيراني. في حالة قصف إيران منشآت خليجية نفطية، فسيكون الرد قاسيا: لن تكون منشآت إيران النووية وحدها معرضة للتدمير، وإنما أيضا منشآتها النفطية التي تعتمد عليها، أساسا، في تمويل اقتصادها، وتأمين التموين اللوجستي لشعبها (75 مليون نسمة). واضح أن الحملة الإعلامية الإيرانية على السعودية، في إطار مخطط تسييس موسم الحج، تبعها فورا انتهاك حرمة الأراضي السعودية الحدودية، من جانب قوي التمرد الحوثي اليمني المسلح الذي يتلقي «الوحي والتحريض» من إيران و«حزب الله»، وربما أيضا التموين اللوجستي بالسلاح الثقيل.

أضيف هنا أيضا، أن إيران لا تدرك أن الانتقام المسلح من عرب الخليج، سينعكس بأذى بالغ على التجمعات الشيعية الإيرانية المقيمة أو العاملة في الخليج العربي. في حالة تحريض هذه التجمعات على المشاركة في عمليات تخريب، فسيكون الرد بإجبار جانب من هذه التجمعات على العودة إلى إيران، تماما كما فعلت دولة الإمارات بإعادة خلايا «حزب الله» إلى لبنان.

تحدثت اليوم عن احتمال نشوب الحرب الثالثة بين إيران وإسرائيل، ونتائجها الكارثية على العرب المجبَرين على التورط فيها، أو على العرب المتفرجين عليها. مؤشر الحرب تجاوز نقطة الخمسين بالمائة. ماذا عن احتمال السلم؟ من الأمانة الإعلامية والموضوعية الحديث بإسهاب عنه. المجال يضيق اليوم. فإلى الثلاثاء المقبل.