مثال ناجح

TT

احتفل معهد الإدارة العامة وهو الجهاز الحكومي المعني بتأهيل مديرين وقيادات لإدارة أجهزة الدولة وقطاعاتها بمرور خمسين عاما على تأسيسه، وشارك في هذه المناسبة شخصيات مختلفة ولافتة، ولكن الحدث الأبرز في هذه المناسبة هو ما جاء في كلمة الأمير سلطان بن سلمان التي ألقاها بمناسبة الحدث وجاء فيها جملة في غاية الأهمية وهي «إن طموحات المملكة ومشاريعها أصبحت تفوق مستوى الأجهزة الحكومية، وما يُطلَب من الأجهزة الحكومية هو إعادة تنظيم أمورها والدخول في السباق مع هذه المشاريع والطموحات»، وهذه ليست المرة الأولى التي يتصدى فيها الأمير سلطان بن سلمان لأداء الأجهزة التنفيذية ويوجه بأهمية وضرورة تطوير أداءها لإدراكه أهمية هذه المسألة وخطورتها وأثرها على ثقة المواطن وكذلك المستثمر. ولذلك حين تبرز أمثلة ونماذج متألقة ومضيئة يكون من الضروري إبرازها وتبيان مزاياها لكي تكون بمثابة ضوء وشعاع أمل وقدوة للغير.

وأحد أمثلة النجاح المميز والتي لا تلقى البريق الإعلامي ولا الوهج الإخباري هو شخصية محافظ عنيزة بمنطقة القصيم المهندس مساعد السليم أو «أبو فيصل» كما يحلو لمحبيه أن ينادوه. وهذا المسؤول الشاب تحول إلى مغناطيس عملاق لجذب الأفكار والصناعات والتجار والمستثمرين إلى عنيزة في قلب السعودية، وذلك بأسلوب ديناميكي وحماسي يذلل فيه الصعاب أمام كل مشروع ومتواصلا بقوة حتى يصل لدرجة الإقناع وهو يتحرك في زيارات إلى الشركات وإلى المشاريع محاولا إقناعها لفتح فروع لها بعنيزة أو نقل مراكز لإنتاجها إلى هناك. إنه مثال مهم لما يمكن أن يكون عليه مسؤول تنفيذي يتعامل مع الغير بمبدأ المصلحة المشتركة، ويعد وينفذ بمسائل قابلة للقياس والتقييم Deliverables في أوقات معقولة وغير خيالية. والشهادات بحق إخلاصه وكفاءته في تزايد، وهناك قصة جميلة تروى خلال حادثة حريق كبرى كان موجودا لثلاثة أيام متتالية إبان إجراءات إطفائها ومحاصرتها وكان له تعليق لافت هو «إننا إذا لم نعتنِ باستثمارات وأملاك الغير عندنا كيف ستُبنَى الثقة وتُكتسب الطمأنينة؟»، وهو كلام حكيم وعاقل. لعنيزة باع طويل ومشرّف في مجال التجارة سواء في الداخل المحلي أو في المحيط العربي وكل من تابع تاريخ «العقيلات»، وهي حركة التنقل والهجرة التي كانت قائمة في القرن الماضي وما قبله من مناطق قلب الجزيرة العربية إلى بلاد العراق والشام والخليج العربي بل وصلت إلى الهند يرى شواهد نجاح أبناء عنيزة تحديدا في مجالات كثيرة، واليوم يجادل «أبو فيصل» بجهد وحماس وفكر ومصداقية البناء على ما مضى مع إدراكه التام أن قواعد اللعبة اليوم تغيرت ومتطلبات المستثمر والمصنع والتاجر باتت ملحّة ودقيقة وتتطلب الكثير من التواصل والعمل الجاد، لأن الخيارات أمامه كثيرة في الداخل والخارج والكل يحاول شراء ودّه وخطب رضاه. النجاحات الاقتصادية لأي دولة لا تقوم بالشكل المطلوب إلا بأن يؤدي القطاع الخاص والقطاع العام أدوارهما بتفانٍ تامّ ومصداقية وجدية وأي انتقاص في أي دور سيؤدي إلى عمل مشوه يدفع ثمنه الكل بلا استثناء. الأمثلة الناجحة تستحق التحية والإشادة والاحترام، ولكنها تبقى مجرد عجلة في سلسلة تروس تدور وإذا لم تدُرْ كلها بنفس الوتيرة تعطل إنتاج الكل.

[email protected]