العبثيون

TT

أصبحت أخبار المعارك وصولات الكر والفر فيما اصطلح على تسميته الحرب السادسة في نزاع الحوثيين في اليمن والتي بدأت في أغسطس الماضي شيئا اعتياديا، بيانات وبيانات مضادة وإعلانات خسائر وهجمات ومحاولات وساطة تعطي بعض الأمل ثم لا تلبث أن تنهار، وأصبحت أخبار هذه الحرب مادة يومية إخبارية، في حين أن الغائب عن الصورة هي المطالب الحقيقية أو الأسباب التي تجعل الاحتكام إلى السلاح هو الحل الوحيد لنزاع داخلي.

بعبارة أخرى تبدو العبثية شديدة الوضوح في هذه الحرب التي تبدو مطالبها وأهدافها غير واضحة بينما نتائجها الكارثية واضحة في استنزاف بلد موارده محدودة أصلا، فقد يكون مفهومها أن تكون لدى فئة أو قطاع معين في مجتمع أو بلد مطالب أو مظالم، ولكن أن ترفع هذه الفئة السلاح في حرب تبيد الأخضر واليابس، ولا تفيد أحدا بما في ذلك الذين يرفعون السلاح فهو غير المفهوم. وليس هناك في الأفق السياسي أو حتى الجغرافي أي إمكانية لدى المتمردين لإقامة أي كيان بعيدا عن الدولة اليمنية.

وحتى الشعارات التي يرفعها جماعة الشباب المؤمن التي بدأت التمرد الحوثي قبل سنوات تبدو غير مفهومة وكل ما يقولونه في المحاكمات أو البيانات هو الموت لأميركا وإسرائيل، وليس مفهوما ما هو المقصود بذلك، أو ما هي علاقة هذه المنطقة الشمالية الجبلية في اليمن بأميركا أو إسرائيل، أو علاقة هؤلاء الفقراء في الجبال والقرى الذين يتم تجييشهم في قتال عبثي بذلك في حين أن الأهم بالنسبة إلى حياتهم اليومية هو توفير معيشة جيدة والارتقاء بزراعاتهم وحل مشكلة المياه وتنشيط مناطقهم اقتصاديا وليس عسكرتها وقطع الطرق، وكأنها الحرب من أجل الحرب.

ثم ما هي علاقة القتال ضد الحكومة المركزية في صنعاء، والجيش اليمني بأميركا وإسرائيل، إلا لو كان الأمر مجرد شعار مرفوع كغطاء لأهداف أخرى، مهما كانت فهي عبثية وتعكس طريقة غير رشيدة في التفكير، وهي حرب عبثية في أهدافها، وماذا يراد منها غير واضح، بخلاف الدمار والتخريب. وهناك أسئلة كثيرة تطرح ولها مشروعية عن من أين تأتي كل هذه الأسلحة والأموال لتمويل هذا النزاع لشهور طويلة بإمكانيات تعادل إمكانيات دولة.

مشكلة هذه النزاعات عندما تطول هو الهروب إلى الأمام بتصديرها إلى المناطق المجاورة، كما حدث في الأيام الأخيرة على الحدود السعودية ـ اليمنية بتسلل المتمردين إلى الجانب السعودي، وهو ما يعكس استمرار مسلسل العبثية الذي يحكم طريقة تفكير قيادة هذا التمرد، لأنه من الطبيعي أن يلقوا ردا على هذا التسلل، ومن الطبيعي أن يكونوا الطرف الخاسر عسكريا بحكم ميزان القوة، وسياسيا كما هو واضح من توالي الإدانات إقليميا لأن لا أحد يمكن أن يسمح بانتهاك الحدود.

السؤال الذي يطرح نفسه وماذا بعد، وهل هناك عقول رشيدة، تستطيع أن ترتفع فوق هذا العبث الذي تمارسه قيادة التمرد، التي قطعت شوطا طويلا في طريق يصعب تصور أن تتراجع عنه بما يعني أنه لا يوجد الآن سوى صوت الرصاص والقنابل، إلا لو جرى تنحية هذه القيادة التي قادت أناسا بسطاء في هذه المناطق إلى معارك لا هدف واضح منها تحت شعارات مزيفة. والسؤال الذي يليه هو لماذا يظهر هذا العبث في منطقتنا دون مناطق العالم الأخرى؟