شكراً

TT

في غمرة التهاني المنهالة على لبنان بعد تشكيل الحكومة، تناسى الكثيرون رجلا يستحق الشكر. ولأن هناك من يتحجج بالمقولة البالية «لا شكر على واجب» فكان لزاماً أن نقول شكراً لدولة الرئيس فؤاد السنيورة.

رجل جلس على كرسي مشتعلة أرجله. حاصره حزب الله 18 شهراً بمقر الحكومة، على طريقة الإيرانيين في احتجاز الرهائن، ولم يخلُ الأمر بالطبع من التخوين، والاغتيال المعنوي، من قبل المعارضة وحسن نصر الله تحديداً.

ولم يكن الاحتجاز أصعب ما واجه فؤاد الدولة اللبنانية، بل كانت هناك حرب تموز 2006 التي شنتها إسرائيل على حزب الله، الحرب التي خرج يومها حسن نصر الله متوسلا في خطاب تلفزيوني يقول إن على من يحب لبنان أن يساعد في إيقاف هذه الحرب، ولم يتأخر السنيورة حيث خرج بالنقاط السبع، وبكى يومها أمام الملأ، وهو الذي اتهمه نصر الله بأنه وبعضاً من اللبنانيين «لا يعرفون اللغة العربية ولا يعرفون أفعل التفضيل»!

ولم تنتهِ القصة هناك بالطبع، حيث جاء انقلاب بيروت المسلح على يد حسن نصر الله الذي خرج مهدداً ومتوعداً ومتهماً السنيورة بالتآمر على الحزب أيام الحرب، وكان رد السنيورة «لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك.. إني أخاف الله رب العالمين»، وبالطبع لم يكمل السنيورة الآية حيث تقول «إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين».

نقول هذا اليوم إنصافاً لرجل خرج من السلطة.. رجل عرفته على مدى خمس سنوات، متقلبة بأحداثها، ومتموجة في صفوفها. غضب السنيورة يوماً على الصحيفة، وقرر ألا يتعامل معها، كان ذلك بعد انقلاب بيروت ومؤتمر الدوحة بفترة ليست بالبعيدة. يومها هاتفت صديقاً مشتركاً بيني وبين السنيورة الذي عرفته شخصياً بعد زيارته لمقر الصحيفة في لندن وقلت له أبلغ دولة الرئيس أن أهلا وسهلا به في ركب الغاضبين. ضحك الصديق وقال «يا رجل لا يفعلها فؤاد»؟ قلت تأكد! عاد إليّ الصديق قائلا «يا الله كم هو غاضب». وأثناء قمة الكويت، وبعد كلمة خادم الحرمين الشريفين التي طرح بها مبادرة المصالحة العربية، وأثناء مغادرتنا القاعة كان يقف أمامي فؤاد السنيورة، فخاطبته قائلا يا دولة الرئيس أنا المغضوب عليه! ضحك وأخذني بالأحضان قائلا «تعال نتحدث.. هناك الكثير من المواضيع» وسط دهشة من كانوا حوله.

وقبل أشهر كتبت مقالا عن قضية محددة، فبادرني الصديق المشترك قائلا «السنيورة لا يتفق مع تحليلك». استجدت بعد ذلك أمور في نفس الشأن فهاتفت الصديق ممازحاً أن أبلغ دولة الرئيس تحياتي وقل له إنني كسبت، فقال: لحظة.. هناك شخص يريد التحدث إليك، فجاءني صوت يقول «معلوماتي تقول كذا وكذا قد تكون على حق»! قلت عفواً من معي؟ قال «أنا فؤاد السنيورة».

هكذا عرفت الرجل الذي سماه نبيه بري، الذي لم يسلم من لسانه أحد، بـ«فؤاد الثاني»، لكن والحق يقال، إنني عرفته فؤاد لبنان.

ولذا أقول شكراً دولة الرئيس.  

[email protected]