دفاعا عن اللون الأسود

TT

لن تستطيع تغيير الخرافات والحكايات والأساطير. والحكاية أول ما يسمع الطفل، وهي تنطبع في عقله كحقيقة لا نستطيع أن نحرره منها عندما يكبر. وتتناقل الشعوب حول الأرض الحكاية نفسها بأساليب كثيرة. وهناك نحو 780 نسخة من حكاية «سندريلا» في صيغ متشابهة، متقاربة، على قليل من الاختلاف.

ولا أدري كم صيغة هناك لحكاية «ليلى والذئب» التي لا تزال تكتب وتحكى لأطفال العالم في كل مكان وبكل اللغات، لا يتغير فيها سوى اسم ليلى وضحكة الذئب وحجم أسنانه. وفي كل الحكايات والأساطير، لأنها كتبت قبل عصور التحرر، اللون الأبيض هو لون الخير والجمال واللون الأسود هو لون الشر والبشاعة.

في رواية جاكوب ووليم غرِم عن سندريلا تلد الأم ابنتين، «وجهاهما أبيضان ناصعان مثل الزئبق، لكنّ قلبيهما بشعان أسودان». فقط في نسخة قبائل الهوسا من حكاية سندريلا يبدو اللون الأسود معذبا، فهي «عبدة» في منزل زوج أمها، ليس بسبب لونها، بل بسبب وفاة الأم. لكن في كل لغات العالم لا يزال اللون الأسود، بسبب توارث كسول، هو ما أراده له الرجل الأبيض، الذي وضع قوانين هذا العالم وآدابه وباع الأفارقة كالغنم والقنافذ. وحتى العملة التي لا يهمه لونها وتاريخها وحجمها، قسمها إلى قرشين، واحد أبيض في زمن الخير، يحسن أن يستبقى ليوم القلة، الذي هو أسود اللون.

وفي الفولكلور المصري «يا نهار أبيض» هو يوم السعد والفرح، «يا نهار أسود» هو لون الشؤم والغضب والخوف. لا أدري ماذا كان المصريون يقولون عندما مضى محمد علي يضم الكثير من أقاليم السودان إلى مصر. لا تزال تعابير العالم تنتمي إلى عصور الجهل والعنصرية. فعندما يجتمع زعماء أهم 20 دولة في العالم اليوم، يتقدمهم رجل كيني الأب، زوجته «زنجية» الملامح، بلغة القرون الماضية. ولكن أليست ميشيل أوباما المثال الأهم على تاريخ السود الأميركيين، حفيدة لجدود عبيد؟ وسيدة فيها دماء بيضاء من جدة عبدة اعتدى عليها السيد الأبيض. والآن ماذا؟ الآن، ميشيل أوباما، المتخرجة من هارفارد، هي الأميركية الأولى. ما هي ترجمة ذلك؟ ترجمته أنه لو أراد والت ديزني أن يصور حكاية سندريلا من جديد لما اعتمد الحكاية الأولى كما وضعها الفرنسي شارل بيرو في القرن السابع عشر في كتابه «حكايات أمنا الإوزة». فعندما ولدت ميشيل أوباما كان السود لا يزالون يقتلون (1964) لأنهم يريدون الانضمام إلى الجامعة. وبعد 4 سنوات سوف يقتل مارتن لوثر كنغ في ظروف أكثر غموضا من مقتل راعية جون كينيدي لأنه كان «يحلم» بتحرير الرجل الأسود في أرضه ووطنه. ولم تفلح المشاريع الخفية في إعادة السود إلى أفريقيا، أو إقامة أفريقيا سوداء في القارة، كما حدث في تجربة ليبيريا (الحرية) التي انتهت بأسوأ فظاعات وحشية في التاريخ. الأمير في حكاية سندريلا المعاصرة أسود هو أيضا. وهي سمراء بيضاء القلب إذا شئت. وعلى الرجل الأبيض في نهاية عصور العنصرية أن يعثر على لون آخر يحمله التعاسة وسوء الحظ.