لثالث مرة: العقاد!

TT

الآن مر ربع ساعة من الانتظار.. أستطيع أن أرى الأستاذ بوضوح. يوجد تمثال للأستاذ وتوجد لوحة غريبة. المقاعد دون المتوسط. الغرفة صغيرة جدا..

وفجأة جاء الأستاذ مادا يده أهلا وسهلا. يا خبر الأستاذ العقاد شخصيا مادا يده مرحّبا. ويسألني من أين وماذا أفعل وماذا أدرس قلت: في قسم الفلسفة يا أستاذ. قال أعرف كل أساتذتك بعضهم يجيء هنا. الدكتور الأهواني والدكتور زكي نجيب محمود. أحسنهما زكي نجيب محمود.. وإن كان الأفضل أن أقول أحسنهم جميعا..

وعرفت بعدُ أن العقاد كان على حق. وتمنيت أن يجيء أحد لينقذني من مواجهة العقاد وحدي. ولم تطل أمنيتي. جاء أحد تلامذة العقاد. نهض الأستاذ واقفا: أهلا يا مولانا.. أين أنت كيف حالك الآن! وبدأ الزميل يحكي. ورحت أنظر إلى العقاد. رأسه بديع وملامحه كأنه أحد آلهة الإغريق. والعقاد يُسمع باهتمام شديد. إذا تحدث.. الآن أراه بوضوح فهو يتكلم ويتراجع وصوته خفيض. صوت هادئ كأنه إذا تكلم تحس أن أفكاره هي التي لها صوت. وهو يحرك يديه. ويهز كتفيه. وإذا فرغ من الكلام أطبق شفتيه تماما كما يفعل المطربون الأوربيون. ويضحك الأستاذ. فإذا ضحك فتح فمه وتراجع في مقعده. وهو يضحك لما يقوله هو من نكت أو المفارقات اللغوية..

الآن أراه أكثر. إنه يرتدي بيجاما قديمة وهناك بقعة على البنطلون. وإيه يعني. إنه بنطلون العقاد.. ثم إن الشمس نفسها فيها بقع.. وليس متزوجا فلا أحد يعتني به.. وهذا السفرجي النوبي أو الصعيدي العجوز لا يستطيع وحده أن يكنس ويمسح ويغسل ويكوي.. وللعقاد طاقية من نفس قماش البيجاما. تماما كما يظهرون في الأفلام الكوميدية.. ولاحظت أن العقاد يضع يده دائما على الجانب الأيسر من البطن.. إنه المصران الغليظ كما كتب في الرسالة. مسكين يا أستاذ..