من العراق إلى جبل دخان

TT

ثمة كلمة سر على مدى العالم العربي هي الحدود. كيفما تلفتّ، من رفح إلى صعدة، تجد أرتالا من الناس، إما هاربة فازعة عبر الحدود، أو مندفعة هاجمة عبرها. المساكين الفازعون بالآلاف، والمهاجمون المنظمون المسلحون بالمئات، دائما المساكين يدفعون الثمن. لا أعرف ما هو سر الحدود، من العراق إلى جبل دخان. لكننا نعرف أننا كنا أكبر وطن لاجئين في العالم، وأصبحنا أكبر أمة لاجئين. ولا أعرف لماذا يتخذ اللاجئون دوما الاتجاه المعاكس على طريق الإعلام الحديث. لماذا في اتجاه مصر بدل إسرائيل ولماذا في اتجاه السعودية بدل اليمن.

كانت الرياض قبل أشهر تتدارس كيف تساعد الهاربين من النيران الحوثية وقد تجمعوا تحت المطر وفي الأوحال وفي خيم بائسة. فإذا بها اليوم تواجه نزوح مواطنيها من تلك النيران، التي ربما كان هذا هو هدفها في الأساس، وما كان اليمن إلا مقدمة تمويهية ذهب ضحيتها ألوف القتلى والجرحى وعشرات آلاف المشردين.

يروي السفير محمد منصور الرميح أن الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك) كان قد طوع اليمن ووصل إلى أبواب صنعاء عندما بعث إليه الملك عبد العزيز يطلب إليه العودة فورا. ولما استفسره عن السبب قال، هذه كانت مقبرة الأتراك ولا أريد أن أدفن رجالي هناك. ويضيف السفير الرميح أن الملك عبد العزيز أدرك ما لم يدركه ضابط الكلية الحربية ومدرسة الأركان جمال عبد الناصر. ويبدو أن هذا ما لا يدركه الحوثيون ومن خلفهم الآن.

لا يمكن أن يخوض الحوثيون ـ أو أي فريق محلي آخر ـ حربا ضد دولتين كل هذه المدة ثم يسمون ذلك تمردا. هذه حرب دول أعد لها واستعد من زمن. وهذه حرب بدأت مراحلها تظهر بوضوح. وبدل أن يعلن الحوثيون أنهم دخلوا السعودية بالخطأ ها هم يصرون على انتصاراتهم فوق أرضها ويعلنون فتح الجبهة. فما دخل السعودية «بمطالبهم» من صنعاء؟

من الغباء ألا نقرأ ما أصبح مكتوبا «بالنيون» على مدى العالم العربي. أي ذلك المخطط المتواتر لخلخلة الاستقرار وزعزعة الأمن وتخريب الاقتصاد وشل حركات النمو والإعمار. في العراق اتخذت ذريعة الاحتلال الأميركي. وفي مصر ذريعة الاحتلال الإسرائيلي. وفي السعودية لم تكن ثمة حاجة إلى ذريعة. بحث الحوثيون عن الحدود واندفعوا نحوها يقاتلون ويشردون ويبكون على أنهم ضحايا.