الصهيونية تزرع الأشواك

TT

ما الساسة بفلاسفة أو مفكرين ليتبصروا بتاريخ الإنسان ومصيره. إنهم قوم غارقون بذاتهم فينظرون لكل شيء بإطار حياتهم ومداها. ما يعنيهم كسب زعامة الحزب، ثم كسب الحكم ودحر خصومهم. فعندما أصدر بلفور تصريحه لم يفكر بغير كسب الحرب ولم ينظر إلى ما سيلحق ببلاده من أضرار مستقبلية في المنطقة. وهي نفس مشكلة التلوث الحالية. فساسة أمريكا لا يريدون خسران أصوات ناخبيهم بالحد من استهلاكهم للكربون. الحرص على مصير الكرة الأرضية لا يضمن لهم الفوز بالانتخابات. يأتي نتنياهو كمثال آخر. كل ما يعنيه هو الفوز الآني.

وهو بذلك وكسواه من الساسة، رجل قصير النظر. ماذا سيحدث لقومه وملته بعد قرن أو قرنين شيء لا يدخل في منظاره. والمؤسف أن الساسة كثيرا ما ينجحون في نقل هذه العلة، قصر النظر، لشعوبهم. هكذا استطاع نتنياهو أن ينقل هذه العلة إلى الإسرائيلي المزراحي (الشرقي) مثلما فعل هتلر بالألمان وقادة الفلسطينيين بالفلسطينيين.

العنجهية اليمينية في إسرائيل وتعنتها في الوصول إلى أي تسوية عادلة وكريمة مع العرب ستجرهم إلى مواجهة خطيرة على المدى البعيد لا مع الفلسطينيين أو العرب فقط بل مع عموم المسلمين الذين تجاوز عددهم الآن ربع سكان العالم وانتشروا في كل مكان، وأخذوا يزدادون بأسا وإيمانا وتضامنا من يوم إلى يوم. إسرائيل مغرورة الآن بهيمنتها العالمية والتأييد الغربي.

ولكن هذه الخمسين سنة مجرد نقطة في بحر التاريخ. الظروف تتغير وحرامية الرأسمالية في إخاء عند الرخاء. ولكننا نقول في العراق تبدأ عركة الحرامية حالما يفلسون. هكذا صعد هتلر للحكم وأباد ستة ملايين يهودي بعدما أفلست الرأسمالية الألمانية وانهار المارك. أيستطيع أي أحد ـ بعد ما خبرنا في الأشهر الماضية ـ أن يضمن أن الاقتصاد العالمي لن يقع بمثل ذلك، وعلى مدى أطول وأخطر، وتبدأ المعركة بين الحرامية؟ من يضمن أن لا أحد سيقول إن كل هذا البلاء يرتبط بما جرى في الشرق الأوسط ودور إسرائيل وأنصارها، وتعود اللاسامية فترفع رأسها وتجدد الصيحات القديمة؟

من يضمن أن التوازن الحالي للقوى العالمية سيبقى كما هو ولا تظهر قوى جديدة، الصين أو الهند مثلا، تخلق تحالفات وموازنات جديدة تغير مسلك التاريخ ومصير الشرق الأوسط؟ بل، من يضمن أن النظام الامبريالي الذي تحلق الصهيونية على جناحيه الآن سيبقى إلى الأزل؟ من يضمن أن الدول العربية والإسلامية ستبقى على تمزقها وضعفها وعجزها؟ من يضمن أن الفدائيين وسواهم من حملة السلاح لن يحصلوا على أسلحة نووية أو كيماوية أو بكتريولوجية ويطرحونها في المعركة؟

نتنياهو وعموم الحركة الصهيونية من ورائه يغامرون بمستقبل إسرائيل وبني إسرائيل في غرورهم وتعنتهم وقصر نظرهم.