القابلية العامة للوقوع في الخطأ

TT

منذ سنوات، اشتريت عددا قديما من مجلة «تايم»، يرجع لعام 1965 يحمل على غلافه صورة رجل العام. وتعمدت الاحتفاظ بالعدد لدي كي يذكرني بأن البشر غير معصومين ويمكن أن تزل أقدامهم في أخطاء، وينطبق القول ذاته على مجلة «تايم». كانت صورة الغلاف لرجل العام للجنرال وليام سي. ويستمورلاند. كان ويستمورلاند الشخصية المناظرة خلال حقبة فيتنام لجنرال ستانلي ماكريستال في الوقت الراهن.

في النهاية، مني ويستمورلاند بإخفاق كامل. ولا أبغي من وراء ذلك الإلماح إلى أن الأمر ذاته ينطبق على ماكريستال. ومع ذلك تبقى الحقيقة أنه في ذلك الوقت ظهرت صورة ويستمورلاند على غلاف «تايم»، وكان يجري النظر إليه باعتباره مخلصا ومنقذا، واعتبره كثيرون الرجل الذي سيقود أميركا للخروج من مستنقع فيتنام. وعندما ألقى خطابا أمام الكونغرس عام 1967، اضطر للتوقف 19 مرة لارتفاع أصوات التصفيق والإشادة. وبعد ما يزيد قليلا على العام، رحل عن منصبه ـ وحل محله جنرال كريتون أبرامز، الذي أكد لويس سورلي في كتابه «حرب أفضل» (A Better War)، أنه كان باستطاعته الفوز في الحرب لو أتيحت له الفرصة.

في الواقع، معرفتي بماكريستال لا تزيد على معرفتي بويستمورلاند، لكن الذي أعلمه على وجه اليقين أن وسائل الإعلام تبحث من وقت لآخر عن جندي، خاصة جندي وسيم، مثل ويستمورلاند وماكريستال، لتسلط عليه الأضواء. ومثلما الحال مع ديفيد بترايوس، تنطبق المواصفات المطلوبة في هذا الشأن على ماكريستال، وهو نمط من الرجال المنضبطين الذين يشعر حيالهم الرجال الأقل انضباطا بمزيج من مشاعر الإعجاب والرهبة. لا يمكن لأحد التقليل من أهمية الانضباط والإخلاص. بيد أنه في الوقت ذاته لا يمكن تخيل إقدام الجنرال دوايت أيزنهاور على إطفاء سيجاره والعدو على مسافة أربعة أميال، إلا إذا كانت زوجته، مامي، تطارده بساطور.

الأمر الآخر الذي أعلمه عن الجنرالات أنهم لا يطلبون قدرا أقل من أي شيء، سواء عتادا أقل أو أفرادا أقل. وإنما جرت العادة أن يطلبوا المزيد، مثلما فعل ويستمورلاند في فيتنام قبل أن يجبر الواقع ـ الذي عرف باسم الأوضاع السياسية الداخلية ـ ليندون جونسون على كبح جماح قائده. إذا كان سورلي محقا بشأن أبرامز، فإن ذلك يعني أن الحرب كان يمكن الفوز فيها بعدد أقل من الرجال. ومثلما اتضح لاحقا، منيت فيتنام الجنوبية بالهزيمة نهاية الأمر بسبب تخلي الكونغرس عنها.

لذلك، لا ينبغي النظر إلى طلب ماكريستال الحصول على قوات إضافية يصل عددها إلى 40.000 جندي كأمر مقدس. في الحقيقة، لا تعدو مثل هذه الطلبات كونها نقطة بداية ينطلق منها النقاش. أما أعضاء المعسكر الذي يرفع شعار «أعطوا الجنرالات ما يحتاجون»، فإنهم فعليا يساندون دعوة «أعطوا الجنرالات ما يبغون»، الأمر الذي لا يعد إطلاقا نهجا مسؤولا تجاه عملية صنع القرار.

يمكن القول إن المراجعة التي يعكف عليها الرئيس أوباما لجميع الخيارات المطروحة تمثل التوجه الصائب. لقد تعجلنا في شن الحروب كثيرا خلال السنوات الأخيرة. وبغض النظر عن القرار الذي يتخذه أوباما حيال أعداد القوات، ينبغي أن تقف الإدارة برمتها خلفه بعزم وإصرار. ومن الأفضل أن يتخذ أوباما قراراه من داخل «شرفة ترومان» في البيت الأبيض، نظرا لأن هاري الشجاع مر بمأزق مشابه عندما قرر خوض حرب تفتقر إلى التأييد الشعبي في كوريا. يقول التاريخ إن ترومان اتخذ القرار الصائب. ومع ذلك، ألحق هذا القرار ضعفا بالغا بمكانته لدرجة أحجمته عن السعي لإعادة الانتخاب. وحمل تصريح أيزنهاور أثناء الانتخابات بأنه «إذا فزت، سأذهب إلى كوريا» أهمية كبيرة. وبالفعل، فاز في الانتخابات وذهب إلى كوريا.

الملاحظ أن أوباما يتكبد بالفعل ثمنا كبيرا جراء حرب أفغانستان، ففي أبريل (نيسان)، بلغت نسبة التأييد العام له 63% فيما يخص السياسة تجاه أفغانستان. وحاليا، تراجعت النسبة إلى 45%. وحتى الآن، اقتصر الانحسار في مستوى تأييد سياسته في أفغانستان على المعسكر الجمهوري. إلا أنه حال تصعيد الرئيس الحرب هناك، فإن قاعدة تأييده من الديمقراطيين هي التي ستصب جام غضبها عليه. في إطار استطلاع للرأي أجرته مؤخرا «واشنطن بوست» بالتعاون مع محطة «إيه بي سي»، أعرب قرابة ثلث الديمقراطيين عن تأييدهم إرسال 40.000 جندي إضافي إلى أفغانستان، بينما أبدى 61% معارضتهم، منهم 51% أعربوا عن معارضة شديدة. في عددها الأخير، دعت مجلة «ذي نيشن»، الصوت الموثوق به لليسار، أوباما إلى «الشروع في وضع استراتيجية خروج تتسم بالشعور بالمسؤولية». في واقع الأمر، يمضي حاليا أوباما قدما في تنفيذ استراتيجية خروج مسؤولة.

من جانبي، أعتقد أن غلاف مجلة «تايم» لعددها الصادر عام 1965 سالف الذكر ينبغي تعليقه على جدار غرفة الطوارئ في البيت الأبيض، ذلك أنها تذكرنا بفترة سار فيها رئيس خلف جنرال يحظى بإعجاب بالغ نحو هاوية سياسية وخسارة لا داعي لها في الأرواح. إن ارتداء ماكريستال أربعة نجوم على زيه العسكري لم يأت من فراغ، لكنه يبقى بشرا غير معصوم ويترأسه، لسبب وجيه، شخص لا يرتدي أي نجوم على الإطلاق.

*خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».