إيران: هل بإمكان أوباما التعامل مع الخيارات الصعبة؟

TT

عندما دشنت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما خطتها «عهد جديد من الحوار» خلال الأشهر العشرة الماضية أثار المراقبون ذوو الخبرة تساؤلين. الأول: إذا ما فشل الحوار، هل ستعترف إدارة أوباما بالفشل؟ والثاني: ما الذي سيحدث عقب ذلك؟ ويبدو أن الإجابة على التساؤل الأول باتت وشيكة، فإيران التي كانت الهدف الرئيسي من «عهد جديد من الحوار مع إيران»، عادت مرة أخرى إلى أسلوب المناورة والتلاعب. والمقترح المشترك الذي وافقت عليه الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا القاضي بنقل 70% من اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب إلى روسيا هذا العام، كان اتفاقا، كما صرح بذلك مسؤولو الإدارة، ربما قد أجّل من الناحية النظرية برنامج القنبلة النووية ـ على افتراض أننا نعلم كل شيء عن البرنامج ـ ومن ثم أسهم في كسب المزيد من الوقت للوصول إلى اتفاق أكثر وضوحا مع طهران. لكنه لم يكن ليمنع إيران عن المضي قدما في تخصيب اليورانيوم، وهو ما كان مطمحا للولايات المتحدة وأوروبا قرابة عقد. وقد كان الاتفاق الذي رعاه وباركه محمد البرادعي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بمثابة اختبار للنيات الإيرانية أكثر منه نجاحا محققا.

وقد اتضحت نتائج الاختبار الآن، فالنيات الإيرانية لا تبدو جيدة، ومن الواضح أن طهران لن تقبل بالاتفاق لكنها ستقترح خطة بديلة وتوافق على شحن كميات أقل من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى روسيا بصورة تدريجية خلال عام. وحتى وإن نفذت إيران هذه الخطة كما وعدت ـ سيكون كل شهر بمثابة مغامرة لمعرفة الكم الذي ستنقله إيران ـ فإن الحركة البطيئة للكميات القليلة من اليورانيوم المنخفض التخصيب لا ينجز الهدف الأساسي، لأن إيران قادرة على إنتاج كميات أخرى بديلة من اليورانيوم المخصب من أجهزة طردها المركزية. وستستمر الساعة النووية الإيرانية التي ترغب إدارة أوباما في توقفها أو تباطئها على الأقل في الدق بشبه سرعتها المعتادة.

من الواضح أن طهران تحاول جس نبض ما إذا كانت إدارة أوباما قادرة على التعامل بعنف أو التلاعب بها. وإذا ما كان لدى أوباما أي أمل في التوصل إلى اتفاق مع الملالي، فهو بحاجة إلى إظهار جديته لهم، وأن يبدأ الآن وعلى الفور في فرض عقوبات جديدة.

لكن ماذا بشأن روسيا، ذلك الهدف الآخر الكبير من «عهد جديد من الحوار»؟ يزعم مسؤولو الإدارة أنهم حازوا موافقة موسكو على الاشتراك في العقوبات التي ستفرض على إيران إذا ما رفضت الصفقة، ودفع أوباما بصورة مسبقة ثمن التعاون عبر الرضوخ لطلب موسكو بإلغاء نشر الدرع الصاروخية في بولندا وجمهورية التشيك.

الآن وقد حانت ساعة الاختبار، انضمت روسيا إلى فرنسا والولايات المتحدة والبرادعي في الموافقة على المقترح بشأن اليورانيوم منخفض التخصيب. لكن إيران ترفض الآن هذا المقترح، ومن ثم إذا كانت استراتيجية الحوار التي تنتهجها الإدارة ناجحة فإن على موسكو أن تنضم فورا إلى العقوبات. بيد أنه إذا ما أعلنت موسكو أن الاقتراح الإيراني المضاد مُرضٍ أو طالبت بمزيد من الأسابيع والشهور من المفاوضات فسوف نتأكد حينها أن روسيا هي الأخرى تتلاعب بأوباما. وهنا مرة أخرى سيضطر أوباما إلى أن يظهر ما إذا كان شخصا يجب على القوى الأخرى أن تتعامل معه بجدية أم أنه شخص يسهل التلاعب به. وإذا واصلت موسكو التصرف كحامٍ لإيران، ألن تقوم إدارة أوباما بالتوضيح بأنه في الوقت الذي يتم فيه إجزال العطاء على التعاون فإن عدم التعاون سيكون له عواقب وخيمة؟

يرى الكثيرون منا أن الحوار الذي بدأه الرئيس هو نهاية في حد ذاته وليس وسيلة للوصول إلى النهاية. وما يثير قلقنا أنه في كل مرة ترفض فيها إيران أحد المقترحات يصر الرئيس على استئناف المفاوضات حول مقترح آخر، وسيستمر الأمر على هذا المنوال إلى أن نصل إلى اليوم الذي تجري فيه إيران تجربة لقنبلتها النووية. وعند هذه النقطة سيبدأ الرئيس بالتفاوض مرة أخرى لإقناع إيران لإعادة الجني النووي إلى قمقمه مرة أخرى.

في هذه الأثناء يمكن أن تشترك روسيا في فرض العقوبات إذا ما قرر أوباما التشدد تجاه إيران، فإن موسكو ستنضم إلى هذا الجهد، ومن ثم تحصد روسيا جوائز هذا الاشتراك دون الحاجة إلى اتخاذ خيار صعب. أسوأ ما في ذلك أن نظام طهران يحاول بشدة كسب الوقت حتى تتمكن من استعادة السيطرة الكاملة على البلاد في وجه الغضب المتزايد بعد الانتخابات الرئاسية التي شابها التزوير. وبالنسبة لرجال الدين وعملية المفاوضات اللانهائية ليست مجرد محاولة لتأجيل تقديم أي تنازلات حقيقية بشأن برنامجها النووي، بل والأكثر أهمية أيضا تأجيل أي عقوبات غربية قد تؤدي إلى حدوث قلاقل مدمرة جديدة محتملة في بلدهم غير المستقر بالفعل. ولعل هذه أفضل ورقة في يد أوباما الآن، والوقت مناسب له لأن يلعب بها، أو أن يعترف أوباما بأن المقامرة ليست لعبته.

*زميل في معهد كارنغي للسلام الدولي

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»