لماذا يتهرب الموظفون من العمل؟

TT

أظهرت دراسة عربية أن نصف الموظفين يتأخرون في الصباح عن العمل. وأن ربعهم (26.2 في المائة) يخرجون أثناء ساعات الدوام لأكثر من ثلاث ساعات! ليس هذا فحسب، بل توصلت الدراسة، التي أجراها معهد الإدارة العامة في الرياض على القطاع العام، للدكتور صلاح المعيوف ود. محمد المهنا إلى أن 54 في المائة من العينة أفادوا أنهم يغادرون العمل قبل نهاية الدوام، لأسباب متعددة منها «شعورهم بالإرهاق من كثرة العمل» و«عدم وجود عمل أو قلته في المكتب»!

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يهرب الموظفون من وظائفهم أو يجرّون خطاهم جرا نحو العمل، وكأنهم مقبلون على محاكمة عسكرية؟ كيف لموظف يحب وظيفته أن يفعل هذا. ولماذا نجد أناسا ليس في دوامهم نظام بصمة أو سجل للحضور والانصراف ولكنهم يسبقون كل الموظفين إلى مقر العمل، وربما لا ينصرفون منه إلا بعد مغادرة معظم زملائهم؟

الإجابة ببساطة هي أن هناك من يحبون أعمالهم حبا جما، فالإنسان إن أحب الشيء نسي وقته ونفسه من شدة انهماكه في عمله، إذ يجد فيه لذة غير عادية تجعله يتوق إليه في الصباح الباكر. بعض هؤلاء محظوظون لأنهم وجدوا وظيفة تناسب اهتماماتهم، أما أولئك الذين لم يعثروا عليها حتى الآن فما زال في الوقت متسع لتغيير الوظيفة وتمضية بقية حياتهم باستمتاع. لكن السؤال المهم هو: هل يعرف هذا الموظف ماذا يريد بالضبط؟

حتى لا يقضي الفرد حياته أسيرا في عمل لا يطيقه، وليحدد ماذا يريد بالضبط، لا بد أن يحصر في ورقة كل نقاط قوته، على سبيل المثال: تمتعه بمهارات قيادية، أو حبه للتعامل مع الأرقام، أو التدريس، أو ولعه الشديد بالتجارة، أو البحث العلمي، أو تمتعه بعلاقات اجتماعية واسعة، وغيرها. ثم يضع دوائر حول المجال الذي لو عمل فيه فإنه حتما سيشعر بسعادة غامرة طوال اليوم ولا يشعر بمرور الوقت. إن تحديد نقاط القوة ومن ثم مجال العمل يعد أمرا مهما لتعظيم الإنتاجية ومضاعفة السعادة في العمل، فكم من فرد يعمل في وظيفة حكومية ولكن لديه إمكانية هائلة «ومجربة» في تحقيق أرباح ممتازة في سوق الأوراق المالية (البورصة) أو العقار أو أي تجارة أخرى، بل ويجد فيها ضالته، فلماذا لا يبدأ تدريجيا بتأسيس شركة صغيرة ثم يستقيل من عمله فورما يدر عليه عمله الجديد تدفقات نقدية معقولة تمكنه من الاستمرار والاستقلال المادي.. والأهم العمل في مجال يحبه. كما أن بعض الناس لديهم قدرات خارقة في إيصال المعلومة أو تدريس الناس ويستلذون بذلك، فلماذا لا يحترفون تقديم الدورات التدريبية في مجالاتهم أو يكملون مسيرتهم الدراسية للتدريس في معهد أو جامعة.

عندما يعمل الإنسان في مجال يحبه لا يمكن أن يراوده شعور بالحاجة إلى الهرب من العمل، بل إنه يهرب من عمله إليه، أي أنه يفكر فيه حتى في أثناء قيادته لسيارته واختلائه بنفسه لأنه شغله الشاغل. ولذا نجد أن عشاق العمل تكون فرصتهم في الإبداع أكبر ممن يؤدونه على مضض أو إرضاء لمسؤوليهم أو إشباعا لوجاهة اجتماعية دفينة في أنفسهم. والمحب لعمله هو أصعب منافس لأنه متعطش إلى تجديد قدراته وتطوير عمله، وهو لا يكتفي بساعات العمل، بل يقضى سائر يومه في التفكير فيه. وكان الله في عون من يعملون مع هؤلاء المبدعين الذين لا يفترون ولا ينفرون من الصعاب التي تعترضهم، بل يستمتعون بالبحث عن حلول من دون تذمر أو كلل أو ملل.

من يختار وظيفة يحبها، لا يمكن أن يتهرب منها، بل قد يهرب منه مرؤوسوه من فرط حبه الشديد لعمله وطلباته التي لا تنتهي!

* كاتب متخصص في الإدارة.

[email protected]