جدار العيب

TT

تحفر إسرائيل وتبني منذ سنوات جدرانا تهدف إلى منع الفلسطينيين من الوصول إلى تجمعاتها. وقد رفض العالم أجمع رؤية جدار إسمنتي آخر يرتفع على هذه الأرض، بعدما سقط جدار برلين ومعه الستار الحديدي الرمزي الذي كان يقسم العالم إلى شرق وغرب لا يلتقيان، كما قال روديار كيبلنغ، فإذا هما يتعانقان.

ماذا سمي جدار إسرائيل؟

سُمي، مثل جدار برلين، «جدار العار». أو العيب. وقد وقعت ذكرى سقوط جدار برلين مع الذكرى الخامسة لاستشهاد ياسر عرفات، أبو عمار، أو بالأحرى أبو فلسطين. ولأصحاب الذاكرة الطرية، أو النباتية، فإن ياسر عرفات هو ذلك الفتى الذي خرج من غزة وكان أول فلسطيني من فلسطينيي الشتات يعود إليها. هو، وبعض رفاقه ممن استشهدوا قبله، الذي صنع تاريخ فلسطين الحديث. ليس بالخطابة. ياسر عرفات لم يعش خلف مكتب يعطي الأوامر للناس بالذهاب إلى الموت، بل كان أول من حمل بندقية واتجه نحو الحدود. هو الذي بنى كل مؤسسة فلسطينية نعرفها اليوم. وهو الذي نقل القضية الفلسطينية من المحابر والمنابر إلى الجبهات. وهو الذي حولها من قضية ثانوية دورية في المجالس العالمية إلى قضية تهتز من تحتها تلك المجالس.

أخطاؤه؟ كانت لا تحصى. المثل الإنكليزي يقول، من يعمل يخطئ. وياسر عرفات لم يكن ينام ولم يكن يأكل ولم يكن يعيش، بل كان يعمل. وكان له عمل واحد هو فلسطين. وفي دفة الخطأ كم أخطأ حقا. أما في دفة العمل فلم يعمل أحد مثله ولم يعش أحد كما عاش ولا جاور الموت كما جاور. ومع ذلك سافر على الطائرة الأخيرة إلى باريس وهو يبتسم ويرفع شارة النصر. هو أبو الابوات. من أخطأ منهم ومن جعله يخطئ معه، ومن ضحَّى، وضحَّى واستشهد. وهو أبو الأمل. جعل كل فلسطيني في أوحش مخيم يعيش على سراج من الأمل بالحرية والأرض.

هذا هو الرجل الذي منعت حماس الاحتفال بذكراه في الأرض التي اقتطعتها في غزة. كان القطاع فصار الاقتطاع. كانت غزة بوابة الأمل فصارت رافعة الجدار الذي لا يريد أن تتسرب ذكرى ياسر عرفات. اعتقدنا حماس أكبر من المناكفات مع رام الله. واعتقدناها تصغر أمام الحاضر لكنها تكبر أمام التاريخ. وثمة رجل أدخل فلسطين في التاريخ الحديث، قبل ولادة حماس من رحم فتح، ومن أخطاء فتح. إنه لجدار معيب، هذا الجدار الذي لا يصدق، بين رام الله وغزة. كلاهما أرض ياسر عرفات.