لخامس مرة: العقاد!

TT

أحزنني العقاد. هزمني بلا رحمة. كان قاسيا. هدم فوق دماغي كل ما بناه الوجوديون. ولكن لا أعتقد أن العقاد قد قرأ كل كتب الوجودية. لا يمكن أن يكون قد قرأ الفيلسوف الألماني هيدجر الذي ولد معه في سنة واحدة، ولا قرأ سارتر ولا كيركجور. إنه لم يذق طعم الوجودية التي لم تقل إن الفرد يفعل أي شيء بحريته. إن الحرية عبء. لأن الحرية مسؤولية. والمسؤول هو الإنسان الحر. ومن هموم الوجودية هموم الإنسان الحر.. كل شيء أمامه اختيارات وممكنات.. أمام سوبر ماركت له أن يختار منه ما يعجبه. فإذا اختار أصبح مسؤولا.. وأنت لا تختار إلا نفسك، أي الذي يريح نفسك، أو الذي يؤكد وجودك في مواجهة الآخرين..

وكان اللقاء بعد ذلك عاصفا. أحسست تماما كأنني أقذف العقاد بالحجارة. هل هذا معقول؟ معقول.. لأنني أدافع عن رأيي في نظرية اعتنقتها وارتحت إليها.. رغم أن الوجودية كلها ليست مريحة، لأنها تجعل الإنسان مليونيرا فلسفيا يختار ما يعجبه ويلتزم به.. ولك أن تختار..

وفي هذا اليوم تضايقت جدا. ولكن أردت أن أنتقم. لا.. «أنتقم» هذه كلمة فظيعة.. كيف قفزت إلى لساني؟ بلاش أنتقم.. ضايقني وأريد أن أضايقه لأنه نسف ما نعتقده. لا بد أن أضايقه..

لا بد أن أسمع منه ما لا يعرف عن الوجودية. ويبدو أن الأستاذ قرأ الكثير فيها وعنها، وإلا كيف وصل إلى هذه النهاية الشنيعة. إن العقاد ينتسب إلى مدرسة فلسفية أخرى وهي مدرسة الفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل. وهي مدرسة التحليل المنطقي. كل شيء بالعقل.. بالمنطق الذي يظهر في مقالاته..

قلت له: أستاذ.. أنا متابع كل ما صدر عن الوجودية. فقد ظهر منذ أيام كتاب مترجم للفيلسوف الدنماركي كيركجور. وهو واحد من آباء هذه الفلسفة.

وكأنني طعنت الأستاذ في كرامته.. في كبريائه. تغيرت ملامحه. هل غضب؟ نعم. والتفت إلى الباب ونادى الخادم. وجاء الخادم، قال له: هات الكتب التي على السرير. وكانت مفاجأة موجعة.. إنها كتب كيركجور التي ظهرت كلها.. وليس كتابا واحدا كالذي عندي.. ولم أكن قد رأيت كل هذه الكتب. وفي أعماقي قلت: «جول» يا أستاذ!