هل تريد أن تباع أم تؤكل

TT

أغلب المعلقين العرب على مباريات كرة القدم يتمتعون ما شاء الله بلياقة مذهلة في حبالهم الصوتية، وبإفراط مقيت بالثرثرة إلى درجة الإسهال وكأن المشاهدين عميان ليس لهم أعين، والأدهى من ذلك أنه إذا كانت هناك دولة عربية تخوض مباراة ضد دولة أجنبية، فالمعلق منهم يؤكد مقدماً أن الدولة العربية سوف تفوز، وإذا سجلت تلك الدولة هدفاً فإنه يصرخ ويتشنج وكأنه خارج لتوه من (المرستان)، وإذا هزمت الدولة فما أسهل ما يصب جام غضبه على التحكيم ومعه الحظ أيضاً.

إن حديثي اليوم عن المعلقين يجرني رغماً عن أنفي إلى حرب (الأيام الستة) في عام 1967، ومن عاشوا في تلك الفترة لا يمكن أن ينسوا: صوت العرب، وأحمد سعيد، وصواريخ (القاهر والظافر)، ولا رمي إسرائيل في البحر، ولا أقوى قوة ضاربة في الشرق الأوسط ـ وأرجوكم ركزوا على كلمة (ضاربة) التي أصبحت فيما بعد مضروبة.

ولا أدري إلى الآن: هل أصاب أم أخطأ ذلك الذي وصف العرب بـ(الظاهرة الصوتية)؟!، ولكنني متأكد أن جميع معاركنا الحربية و(الكروية) خضناها على مبدأ: (اغلبوهم بالصوت)، ولم نكن نتمثل أبداً بالمبدأ المتواضع القائل: احمل عصا غليظة وتحدث بصوت هادئ.

الذين يقاتلون، وكذلك الذين (يلعبون) صح، إنهم يا سادتي لا يتكلمون، ولكنهم يفعلون ويتركون التاريخ يحكم.

انتهيت الآن من إخراج الوجع الذي في صدري.

وأعود (للمعلقين الكرويين)، ولكن هل تصدقون أنني شايل الهم الآن، لأنني متحمس في هذه الليلة لمشاهدة مباراة في كرة القدم، ولكنني بصراحة خايف إلى درجة الرعب من المعلّق الذي سوف يصر على أن يثقفني في قوانين اللعبة، وعن تاريخ كل ناد وكل لاعب، وكم الأسعار، وما هي المشاكل، ولماذا حصل ذلك، ولماذا لم يحصل؟!، ونسي أنني أريد أن أشاهد ما أمامي فقط لا غير، فأضطر أحياناً من شدة حماقتي أن أشاهد المباراة بدون صوت.

على أية حال هناك بعض المعلقين الذين لا يخلون من الطرافة أو السذاجة أو التلقائية، مثل ذلك المعلق السعودي الذي كنت أسمعه يوماً ونسى هو المباراة وأخذ يتحدث عن ذكرياته عندما كان يعلق على مباراة منتخبه في دولة إيران، أخذ يحكي ويثرثر قائلا بلهجته الخاصة: لما كنّا (فيران) حصل كذا وكذا ـ وهو يقصد: أنهم عندما كانوا في إيران ـ، المشكلة أنه أخذ يردد هذه الجملة ما لا يقل عن عشر مرّات، لما كنّا فيران، لما كنّا فيران، طبعاً لم أملك إلا أن أضحك وأهمل المباراة، وأخذ خيالي الجامح يتصور ذلك المعلّق عندما كان فأراً معقوف الذنب.

من ألطف المعلقين الذين كنت أرتاح لهم هو: (أكرم صالح) رحمه الله، وكانت لديه لازمة يكررها دائماً، عندما يتجاوز لاعب لاعباً آخر، فيقول عنه: أنه (باعه).

وكان هناك معلّق آخر منافس له ويغار منه ـ ولديه أيضا لازمة يكررها دائماً عندما يتجاوز لاعب لاعباً آخر فيقول عنه: أنه (أكله).

المهم أن ذلك المعلّق كتب يوماً في إحدى الصحف يهاجم وينتقد أكرم قائلا: أنه يريد أن يعيدنا إلى عصر العبودية بترديده لتلك الكلمة، وختم مقالته قائلا: إننا ولدنا أحراراً وسوف نموت أحراراً.

فما كان من أكرم إلا أن يرد عليه في اليوم التالي قائلا: إنني على أتم الاستعداد أن أباع ألف مرّة، على أن يأكلني أحدهم مرّة واحدة.