بين الجزائر ومصر

TT

لو أن الذي اخترع هذه الكرة المطاطية ـ كرة القدم ـ امتد به العمر ليرى كيف تضخمت هذه الكرة لتصبح بحجم الكرة الأرضية، لهاله ما صنع، ولربما ندم على فعلته، فهذه الكرة التي ـ ربما ـ تمنى لها أن تكون وسيلة تواصل تحولت إلى عامل توتر، وتأزم، واحتقان، والدليل حجم العواصف الكلامية الذي استبق هبوبها لقاء منتخبي مصر والجزائر الذي سيقام اليوم، فمنذ أسابيع لا هم لبعض الصحف الرياضية في البلدين سوى صب المزيد من الزيت على أعصاب الجماهير المشتعلة، وكأن التي ستقام اليوم ليست مباراة في كرة قدم. مهما تعالى شأنها، وتعاظمت أهميتها، تظل مباراة كرة، والكرة ـ كما يقولون ـ غالب ومغلوب، ولا يوجد على سطح الأرض من احتكر انتصاراتها أو هزائمها.

وفي تقرير عن التعصب الكروي كتبه من الجزائر «الخير شوار»، ونشرته صحيفة «الشرق الأوسط» بتاريخ 19 يوليو 2006 بعنوان «الملاعب الجزائرية بين العنف الجسدي والعنف الثقافي»، أبرز فيه بعض صور العنف التي ارتبطت بالرياضة في الجزائر، موردا بعضا من أهازيج الجمهور هناك مثل: «رابحين قاتلينكم.. خاسرين قاتلينكم»، و«الدخلة دخلتوا والخرجة منين»، وهي أهازيج تتسم بالتهديد والوعيد، وتعكس درجات مفرطة من التعصب الكروي، وقد اتسمت اللقاءات بين مصر والجزائر بارتفاع حرارتها إلى درجة الغليان، ففي عام 1990 أثناء التصفيات المؤهلة لمونديال إيطاليا، اتهم اللاعب الجزائري الشهير الأخضر بلومي بالاعتداء على مواطن مصري في أحد فنادق القاهرة، وإصابته بعاهة مستديمة في عينيه، عقب خسارة المنتخب الجزائري من شقيقه المنتخب المصري.

وليس لدي شك في أن الشحن النفسي غير الراشد الذي تمارسه بعض الصحف الرياضية على جمهور الفريقين يلقي بظلاله الثقيلة على جمهوري المنتخبين اليوم، فجل الجماهير ستذهب إلى الملعب مثقلة بما أحدثه ذلك الشحن من تراكمات، ولن يكون اللاعبون في منأى عن ذلك التوتر وانعكاساته، وليكن الله في عون حكم المباراة الجنوب إفريقي، فمثل هذه المباريات، في ظل حجم الشحن، قد تحتاج إلى كتيبة من الحكّام.

تحديات جمهوري المنتخبين ظلت تردد منذ أسابيع: «شمس تطلع وخبر يبان»، وها قد طلعت شمس هذا اليوم، ولم تعد تفصلنا عن النتيجة سوى ساعات، فهل ستطير طيور الجزائر بأرزاقها من الفوز، أم سيتمكن المعلم شحاتة من نصب شراكه لاصطيادها؟

ما يعنيني أنا كواحد من الجمهور العربي الكبير أن لا تغرق علاقاتنا العربية البينية في «تسونامي» التعصب الكروي، فجماهير الكرة العربية من الماء إلى الماء في حاجة حقيقية إلى صياغة جديدة في التعامل مع هذه الساحرة المستديرة، وفق معايير أكثر وعيا وأقل تعصبا.

[email protected]