العنف والعنفصة بديلا للسلام

TT

«مرة أخرى أقول لمن يعتقدون بالسلام في المنطقة بأنهم يتحدثون عن أوهام، وسوف يجروننا لمواجهة شاملة».

وزير الخارجية الإسرائيلي ـ ليبرمان

لا يفضل الغربيون في إعلامهم استخدام كلمة المقاومة، وترتبط كلمة «جهاد» في الإعلام الغربي بالإرهاب، والكلمة التي يفضلها الإعلام الغربي لوصف جرائم حرب كتلك التي جرت في غزة: العنف. حتى حرب التدمير التي مارستها إسرائيل ضد لبنان عام 2006 يسميها الإعلام الغربي عنفا.

وليت ما فعله ويفعله الإسرائيليون عنفا، فكلمة العنف تعني الشدة بعكس اللين، ولم يرد معناها في العربية قديما بمعنى يدل على الدم والدمار والقتل والتهجير والمصادرة والمحاصرة والسجن والاعتقال. كل هذا وأكثر تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين ويسمى في الإعلام الغربي VIOLENCE لنترجمه بكل بلاهة وغباء على أنه «عنف».

وقد اشتق العرب كلمة «عنفصة» من مصدر «عنف»، وهي تعني الصلافة والغطرسة والتحدي. ويقول العامة في الخليج بأن الرجل «عنفص» أي عاند تكبرا وصلفا ويقابلها «فشخر» بالشامية.

سعى العرب منذ سنين للسلام، وقدموا مبادرة تنهي الصراع شريطة عودة أراضي الضفة والجولان التي احتلت عام 1967م، ونادى الأميركيون –ومن ورائهم العالم ـ بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. وجاء أوباما ليجدد نهج سلفه بوش مطالبا بحل الدولتين، وما هي إلا أشهر حتى تراجع أوباما على لسان وزيرة خارجيته ـ هيلاري كلينتون ـ التي «أشادت» بعنفصة رئيس الوزراء الإسرائيلي، فتكيل المديح له قائلة بأن ما أبداه رئيس الوزراء الإسرائيلي من استعداد للبطء في بناء المستوطنات هو أمر «غير مسبوق»!! وهو موقف صب الماء البارد على وجوه المتطلعين لسياسة أميركية جديدة تنسجم مع خطاب الرئيس الجديد أوباما الذي ألقاه في القاهرة في يونيو الماضي. حاولت كلينتون «ترقيع» تصريحها في إسرائيل بكلام عام «لا يسمن ولا يغني من جوع» بالقاهرة. كان تصريح كلينتون بمثابة صفعة لمعسكر السلام بالمنطقة، وهدية طال انتظارها لمعسكر العنف ـ وأولهم بنجامين نتانياهو. انتصار «صفعة العنف» دفعت الرئيس الفلسطيني المحترم أبو مازن إلى إعلان عدم رغبته بالترشيح لفترة رئاسة جديدة في يناير القادم، وهو إعلان وموقف في الوقت نفسه، ورسالة شخص يحاول الحفاظ على بقايا سيرته ونضاله من أجل حقوق شعبه، والأمل كل الأمل هو أن يتمسك أبو مازن بموقفه، ليدخل التاريخ كأول رئيس عربي يحجم عن ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة. يذكر أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قد أعلن عن إحجامه عن الترشيح لفترة رئاسته الحالية، ولكنه تراجع تحت ضغط الجماهير ـ سامحها الله!

كان أبو مازن قد التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي في نيويورك «مجاملة» للراعي الأميركي، على الرغم من إعلان موقف بعدم التفاوض أو الالتقاء به ما لم يعلن وقف بناء المستوطنات، وهو لقاء أخذ من رصيد شعبية أبو مازن وخصوصا بعد التلكؤ في تأييد تقرير جولدستون، واستمر الضغط على أبو مازن ليتفاوض مع نتانياهو دون حتى مجرد التزام من إسرائيل بوقف المستوطنات، وها هو أبو مازن اليوم يقف خالي الوفاض بعدما تلاشت أحلامه في السلام ووصفت «الفاينانشال تايمز» حالته في افتتاحيتها يوم الأحد الماضي بأنه «رجل أهين».

شعور بالمرارة وخيبة الأمل لدى كل من آمن بحل الدولتين، يقابله شعور بالزهو والانتصار في معسكر «العنف» كما يسميه الإعلام الغربي، أي معسكر المقاومة كما يطلق المعسكر على نفسه. وهو معسكر يكتسب الأنصار يوميا، لأن المعسكر المغاير ليس لديه ما يقنع أنصاره بجدوى طروحاته.

العنف لا يخلق السلام، لكن العنفصة تخلق العنف، وهي دوامة لن تنتهي، ومعسكر السلام في طريقه للتلاشي، بينما يتعزز معسكر العنف، ويستمر الاستيطان بالعنف والعنفصة..