مطلوب غاندي فلسطيني

TT

هناك هدنة الآن في غزة وتحرص حماس على حمايتها. ما الذي ستفعله بعد نهايتها؟ إذا واصلتها فهذا ما تريده إسرائيل. وإذا استأنفت الضرب فسترد عليها إسرائيل بغزة ثانية فيهلك مئات الأبرياء. حماس الآن بين المطرقة والسندان.

كانت إقامة إسرائيل عملا طائشا وظالما. والسعي لرد الظلم ومحوه فعل مشكور يستوجب الإعجاب والتقدير. ولكن الشرائع تعترف بمبدأ التقادم ومضي الزمن. ليس من العدل أن تخرج مزارعا من أرض قضى ستين سنة في فلاحتها. بين الفلسطينيين من يؤمن بإزالة إسرائيل مهما كان الثمن وطال الزمن. يستشهدون بما فعله السلف في الحرب الصليبية. ولكن الثمن في الحروب الحديثة علّم حتى القوى الكبرى تحاشي الدخول في أي حرب. ثمن إزالة إسرائيل ـ إذا أمكن فعلا ـ سيكون بملايين الأرواح البريئة وبتضحيات ومعاناة أجيال من البشر عبر عقود أو قرون من الزمن.

هذا شيء لا يتقبله أي عاقل. لا بد من صيغة أخرى للخروج من بين المطرقة والسندان. تتمسك السلطة الفلسطينية بفكرة الدولتين. ويدعو الجميع لهذا الحل. ولكنني أرى الزمن قد تقادم عليه. أي نظرة إلى الخريطة تجعل الناظر يشيح بعينيه من الفكرة.

وكذا يشعر عندما يطالع الأرقام والوقائع. لن يرضى المستوطنون بحكم عربي فوقهم. وستؤدي إزاحتهم إلى حرب داخلية في إسرائيل.

ينتظر الإسرائيليون المتشددون حل المشكلة، عاجلا أم آجلا، باقتلاع الفلسطينيين وإخراجهم، كلهم أو أكثرهم، من كامل فلسطين. سينطوي ذلك على مأساة إنسانية لا حدود لها ويعبئ نحو مليون شاب لموجة إرهاب عالمي لم يشهد التاريخ مثيلا لها.

لم يبق غير حل عقلاني واحد. وهو تعايش الشعبين في دولة واحدة. كيف يمكن ذلك بعد كل ما جرى؟ وهنا تظهر الحاجة لمسيح جديد. غاندي جديد. يغسل القلوب المجروحة ببلسم المحبة والفهم. أحبب عدوك! وإن لم تستطع، فأفهم عدوك. وافهم أن هناك مصالح مشتركة، ومصيرا مشتركا، وتراثا مشتركا، وإيمانا واحدا بالله. لا يرتاح الإسرائيليون لهذا الحل فهم يتخوفون من شبح الأكثرية العربية واستيلائها على الحكم. لا بد من الوصول إلى صيغة دستورية وعملية تحمي حقوقهم ومعتقداتهم القومية والدينية والحضارية من شبح ذلك. هذا في رأيي ما ينبغي بحثه ومناقشته وصولا إلى التفاوض عليه.

غاندي جديد. لا يطبل باسم المحبة والسلام والتفاهم لمجرد الدعاية والتكتيك وكسب الوقت والمنصب، وإنما ينطلق إيمانه من زهد في الحياة وقلب غاندي أصيل يؤمن حقا بأخوة الإنسان، وقدسية دم البشر، وحرمة النساء والأطفال والأبرياء، والتعايش والتعاون بين الملل والنحل. غاندي يشع قلبه بالمحبة فينير شعاعها الطريق للضائعين والضالين والحائرين والمعذبين على الأرض.