خذ وهات

TT

أتندر مع أحبابي بالقول إنني أعيش على أملين: الأول هو أن تصبح الجينة القادرة على طرد الشيخوخة من حياتنا في متناول اليد. والثاني هو أن يهبني الله من الحياة ما يكفي لكي اشهد هزيمة إسرائيل واسترجاع كل شبر من فلسطين وتعود للأقصى هيبته وقدسيته.

وقد يتحقق الأمل وقد لا يتحقق. المهم هو حالي وأنا أفكر في إمكانية تحقيقه. تتدفق شحنات الطاقة أضعاف أضعاف، وتشتغل برمجيات الكومبيوتر الداخلي بسرعة البرق لتصور على شاشة الوعي عالمي على حسب ما سيكون. وبذلك أعيش رغدا مجانيا لدقائق أو حتى للحظات.

منذ أيام كنت أحاول عبثا أن انقل نباتا منزليا ضخما من مكانه في الطرف الشمالي لغرفة المعيشة إلى الطرف الجنوبي. كنت أدفع، وأدفع، وأدفع، ويأبي الأصيص الكبير الثقيل أن يتحرك من مكانه ولو شبرا واحدا. ولم يعد هناك بد مما ليس منه بد. فقد خابرت إسماعيل، وهو شاب يعمل في متجر قريب، أتوسم فيه طيبة وشهامة، واستعين به أحيانا في أداء المهام الصعبة.

جاء إسماعيل وفي لمح البصر حمل الأصيص حملا ونقله إلى حيث أريد. كاد الإعجاب بقوته يذهب بوقاري إلى أن سمعته يقول إنه كبر ولم يعد قادرا على حمل ما كان قادرا على حمله قبل سنوات. سألته عن عمره فقال إنه في الخامسة والأربعين، ورغم أن الطاقة انكمشت لم ينكمش إحساسه بأنه ما زال شابا فتيا.

لم أر داعيا للاعتراف له بأنني أكبره كثيرا، وأنني مثله، لا يفارقني الإحساس بأن الشابة التي تسكن بداخلي لا تزال شابة. بعد ظهر ذلك اليوم كنت أتصفح عددا جديدا من مجلة علمية أميركية فلفت انتباهي تقرير عن العلاقة بين شيخوخة الجسد وشيخوخة الذهن. فقرأت وأدركت أن المسألة هي مسألة خذ وهات، وأن ما تودعه في رصيدك الحياتي، إما يغنيك، وإما يقذف بك إلى غياهب الفقر النفسي والجسماني بالتقسيط المخيف. لو لم تدخر في شبابك لشيخوختك ضمرت عضلاتك وتيبست مفاصلك وتلاعبت بك ذاكرتك وانطفأ بريق الأمل من عينيك. وهذا ينطبق على كل البشر بكل اللغات وفي كل بلاد العالم، سواء كنت من سكان التبت أو الهمالايا.

لقد قال العلم كلمته, والاختيار لي ولك. فاستمرار العمل بعد الخمسين والستين هو روشتة مجانية للاحتفاظ بحيوية العقل والجسد. والعمل أنواع. فبإمكانك أن تتعلم لغة جديدة مهما بلغت من العمر. قد لا تكون سرعة استيعابك مساوية لقدرة ابن الثلاثين على الاستيعاب، لكن الجهد الذي تبذله في التعلم يحول بينك وبين ضعف الذاكرة وشرود الفكر.

وليست الرياضة الذهنية وحدها كافية لمحاربة الشيخوخة، فالرياضة البدنية مساوية لها في الأهمية ومصاحبة لها في رحلة البحث عن شباب القلب. والدليل على ذلك تجربة أجريت في جامعة كاليفورنيا شاركت فيها 6000 امرأة تجاوزن الخامسة والستين. هذه التجربة تمحورت حول تشجيع المشتركات على ممارسة النشاط البدني يوميا باعتدال ومنه السير بدلا من استخدام السيارة، وصعود الدرج بدلا من استخدام المصاعد. وبعد سنوات أعيد فحص المشتركات فتأكد أطباء المخ والأعصاب أن المشتركات اكتسبن حصانة ذهنية ضد الخرف والأعراض التي تصاحب اضمحلال القدرة الذهنية، والبركة في تشغيل المخ والجسد.

حين تفرغ من قراءة هذه السطور ابحث عن أقرب درج لتصعده، وابحث عن كتاب يعلمك شيئاً جديداً.