معارضة إيران غير المحبوبة

TT

منذ يونيو (حزيران) الماضي، أصبحت إيران خاضعة لسيطرة مجموعة من رجال الدين المتطرفين، وقيادات الحرس الثوري الذين يعتقدون أن قدرهم هو تحويل إيران إلى قوة نووية تهيمن على الشرق الأوسط. وبالتالي، أصبحت المعارضة ـ حركة شعبية خرجت في مسيرات وكانت ترفع شعارات مثل «الموت للديكتاتور»، و«لا للبنان، لا لغزة» ـ مضطرة إلى أن تصبح أكثر تأييدا لسياسة التقارب التي تسعى إدارة أوباما إلى تحقيقها.

أو ربما لا. فمنذ الأزل، تخيب إيران ظنون غير الإيرانيين الذين يعملون من خلال القواعد المعتادة للمنطق السياسي أو الذين يسعون للحصول على التزامات واضحة. وقد وعى الغرب تلك الحقيقة أخيرا، عندما حولت حكومة محمود أحمدي نجاد الخطة الواضحة التي تقضي بتحويل اليورانيوم المخصب إلى قضبان وقود للمفاعل إلى كلام خادع ومقترحات مضادة. وقد تذكرت ذلك خلال حوار أجريته أخيرا مع أحد النواب البارزين خارج إيران حول «الثورة الخضراء» والذي كان يبدوا عازما على إقناع المؤيدين الغربيين المحتملين بأنهم يهدرون وقتهم.

وكان عطاء الله مهاجراني ـ الذي كان المتحدث الرسمي باسم المرشح الرئاسي مهدي كروبي الذي تحول إلى معارض في أوروبا ـ قد أتى إلى واشنطن لإلقاء خطاب في المؤتمر السنوي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. وكان الحشد الذي يؤيد معظمه إسرائيل مستعدا للاحتفاء بما توقعوا أن يكون إدانة قاسية لأحمدي نجاد وخطابه القتالي ووعود بالتغييرات التي سوف تنجم عن الثورة الخضراء.

ولكن ما سمعوه بدلا من ذلك كان خطابا بدأ بالحديث المكرر عن التدخل الأميركي في انقلاب 1953 في طهران، ثم أصبح الخطاب يعكس خطاب أحمدي نجاد المتعلق بالولايات المتحدة والبرنامج النووي.

وقد نأى مهاجراني الذي كان يعمل كوزير للثقافة في حكومة محمد خاتمي الليبرالية في التسعينيات بنفسه عن إنكار الرئاسة الإيرانية الحالي للهولوكست بل إنه قال «لا يجب على إيران أن تصبح فلسطينية أكثر من الفلسطينيين».

ولكنه في الوقت نفسه تحدث ـ كما يتحدث النظام الحالي ـ حول أن الدول التي تسعى لتجميد برنامج إيران النووي لديها أسلحة نووية بالفعل، كذلك إسرائيل. ـ وهي إسرائيل التي كانت قد تعاقدت على توريد الأسلحة النووية لحكومة الشاه السابقة ـ بالإضافة إلى أن تهديدات أحمدي نجاد المتعلقة بتدمير إسرائيل لا تختلف عما قالته هيلاري كلينتون حول إيران خلال حملتها الرئاسية. وعندما سُئل حول إذا ما كانت إسرائيل لها الحق في الوجود، رفض الإجابة.

أما فيما يتعلق بالتأييد الغربي للديمقراطية الإيرانية وحقوق الإنسان، قال مهاجراني بابتسامة ساخرة: «إن الثورة الخضراء ليس لديها أمل في ذلك على الإطلاق». مضيفا: «عندما نقول إننا ليس لدينا آمال على الإطلاق، فذلك يعني أن نحقق تلك الآمال». وعلى العكس من ذلك، حذر مهاجراني من «استغلال» نظام أحمدي نجاد الضعيف لعقد صفقة «لن تكون في مصلحة إيران». وهو ما أوحى بأن المعارضة سوف تعتبر أي تنازلات يقدمها أحمدي نجاد إلى الغرب غير شرعية ـ وهو الموقف الذي أكدته التصريحات التي أصدرها قادة الحركة الخضراء أخيرا والتي كانت تهاجم خطة مبادلة اليورانيوم.

ولم تغضب تصريحات مهاجراني الأميركيين فقط، بل أغضبت كذلك الإيرانيين الليبراليين الذين كانوا ضمن جمهور الحضور، وقد وأوضح أحدهم ـ الباحث مهدي خلاجي ـ إنه بالرغم من مهاجراني يتحدث باسم كروبي فإنه لا يمثل الأعداد الكبيرة من الإيرانيين الشباب الذين انضموا إلى مظاهرات الشوارع. فيقول: «إن القادة الحقيقيين لهذه الحركة هم الطلاب، والنساء ونشطاء حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين الذين ليس لديهم رغبة في العمل مع نظام ثيوقراطي أو في ظل حكومة تعمل في إطار الدستور الحالي».

ربما يكون ذلك صحيحا، ولكن الحقيقة ما زالت أنه إذا سعى كروبي ورفيقه قائد المعارضة حسين موسوي إلى إقصاء أحمدي نجاد والمرشد الأعلى آية الله خامنئي، فإن التغييرات التي يمكن أن تحدث للسياسة الإيرانية ستكون لها سمات محددة. وقد أخبرني مهاجراني في لقاء أجريته معه بعد الخطاب: «نحن لا نعترض على كل ما يقوله أحمدي نجاد. فنقطة الخلاف الرئيسية كانت هي الانتخابات» حيث كان هناك تزييف صارخ تحت رعاية الحكومة.

ومهاجراني رجل مثقف فقد ألحق بخطبته أجزاء من فوكنر، ووايتمان، ودوستويفسكي، وكافكا. وهو يقر بأن المعارضة الإيرانية هي تحالف من العناصر المتفاوتة بعضها أكثر ليبرالية منه. وربما يكون ذلك هو السبب في رسالته المحبطة ـ أن الثورة الخضراء ليس من المتوقع أن تنجح في أي وقت قريب. فيقول مهاجراني: «إن الثورة الخضراء ليست سباق 100 ياردة، يتحدد فيه الفائز بعد عدة ثوان، بل إنه مارثون طويل. فنحن نحتاج إلى أجيال كي نشارك في ذلك السباق. حيث يحصل كل جيل على الحرية التي اكتسبها الجيل السابق عليه ويستمر في العدو».

ثم سألته بعد ذلك، كيف يجب على الناس في الغرب أن ينظروا إلى الاختلاف بين المدة التي ربما تزيد على عقد كامل التي قال إنها ضرورية لإحداث تغير جوهري في إيران والمدة التي تتراوح بين عام وثلاثة أعوام التي تقف بين النظام الحالي والحصول على سلاح نووي. فقال: «تلك مشكلة حقيقية. ولكنني ليست لديّ مقترحات فيما يتعلق بتلك الأزمة».

* خدمة «واشنطن بوست»

- خاص بـ«الشرق الأوسط»