مجرد مباراة!

TT

لا حديث إلا عن الكرة وعن التصفيات المؤهلة لبطولة كأس العالم التي ستقام السنة القادمة في جنوب أفريقيا. شحن وتشنج وقلق وتوتر... عنيف! كل ما كان يردد عن الحروب والمعارك والبطولات في أراضي الاستقلال والحروب أصبح «الاستاد» هو الموقع البديل لها. والمباراة أو الموقعة التي تشهد بذلك أكثر من غيرها هي اللقاء الدامي بين الجزائر ومصر والتي وصفت بعبارات لا تليق إلا بوصف معارك ضد التتار أو المغول أو الهكسوس وليست مباراة في كرة القدم تنتهي بعد 90 دقيقة. ربطت نتيجة هذه المباراة بالشرف والكرامة والعزة والأمل والنهضة وكلمات لا يمكن تصورها إلا في حال الثورات والنقلات التنموية الكبرى. لقد تحولت المباريات الكروية إلى «أهم» شكل من أشكال الانتماء الظاهري والعاطفي للأوطان من خلال التجييش والتشجيع الهستيري. تفرغ الجماهير جرعات الغضب واليأس والشكوى الموجودة والمكبوتة بداخلها في حق فريقها و«العدو» المضاد الذي أصبح رمزاً مختاراً ومناسباً لكل عيب وعلة وخطأ يواجهونه. حل مناسب وجميل وبسيط! وهذه الظاهرة من الخطأ حسابها أنها حب للوطن لأن هذا الحب لا يترجم بأشكال أخرى أهم وأخطر وأدق.. لا يترجم بالحفاظ على الأملاك العامة ولا بالنظافة كمظهر حضاري ولا بالالتزام بالإنتاج وأمانة العمل وغيرها من الأشكال المؤثرة في حب الوطن بدلا من أن يكون حب الوطن مجرد ظاهرة صوتية تفرغ من خلالها شحنة الغضب المكبوت في دقائق معدودة.

لقد حاولت الجهات الرسمية في البلدين تهدئة النفوس بين الجماهير المصرية والجزائرية، فخرج الفنانون والرياضيون والساسة والإعلاميون وهم يوزعون الأدعية والوعود والأماني والورود والأغاني في محاولة زرع الثقة وإرساء الأدب في التعامل بين الطرفين ولم يتبق سوى استدعاء روحي جمال عبد الناصر وهواري بومدين ليتوسطا في هذه المسألة المتوترة. أغان وكتب ومقالات وبرامج ومواقع على الإنترنت تم إصدارها خصيصا «لموقعة» الجزائر ومصر في مشهد غريب في حاجة ماسة أن يتم تفسيره من علماء وخبراء الرياضة وعلم الاجتماع والاقتصاد وحتى أطباء النفسية والمختصين. لم يطلب من عمرو موسى والجامعة العربية «التدخل» في رأب الصدع في الخلاف المتصاعد والعلاقة الكروية المتوترة بين مصر والجزائر، ولكن تدخل جوزيف بلاتر رئيس اتحاد كرة القدم الدولي (الفيفا) وتهديده البلدين فهدأت الأمور. كرة القدم رياضة فقط.. بمعنى آخر ترويح وترفيه وصناعة واستفادة. إذا أخذت لتكون رمزا لغضب أو شيء آخر فإن الضرر سيكون كبيرا، ومطلوب علاج استباقي جاد لذلك قبل تفاقم الأمور! هي مجرد رياضة: للتذكير.

[email protected]