رئيس الانهيارات المتحدة

TT

لم يفاجئنا اعتراف دراسة للجيش الأمريكي بانهيار معنويات جنودهم المرابطين على ثرى أفغانستان، المفاجأة لو لم تنهَر هذه المعنويات، فأصعب ما يواجهه أي جيش في الدنيا إقناع جنوده وقادة ألويته بجدوى الحرب، ومثل هذه الدراسة تعطي مؤشرا قويا على أن مثل هؤلاء الجنود لم تتوفر لديهم القناعة الكافية بهذه الحرب، وهذا ما جعل خصمهم طالبان في وضع معنوي وقتالي أفضل من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، فالمتطوعون للقتال في صفوف طالبان وبمعنويات عالية جدا تتضاعف أعدادهم، وبالتالي مضاعفة ضرباتهم العسكرية وهذا ما أنهك القوى المعنوية للجنود الأميركيين، يقابل هذا الانهيار تحسن معنوي لدى الجنود الأميركيين في العراق ليس لأنهم في وضع قتالي أفضل بل لأن الحكومة الأميركية أعلنت لجنودها في العراق بدء الانسحاب التدريجي من العراق.

انهيار آخر لكنه على الساحة السياسة الأميركية في مناطقنا الملتهبة كان أحد أعراضه إعلان الرئيس محمود عباس الرئيس الحليف للولايات عزمه على عدم الترشح لرئاسة السلطة الفلسطينية، وبغض النظر عن أنها حقيقة أو حركة بهلوانية، لكن يكفينا تصريحات أبو مازن التي صاحبت قرار عدم الترشح والتي أظهرت عتبا وحنقا على حليفته أميركا لدرجة التميز من الغيظ، والحق يقال إن أبو مازن لا يلام، فهو يرى خصمه اللدود حماس تسيطر على الأرض وشعبيتها ممتدة حتى في الضفة الغربية، كما تشير إلى ذلك مصادر بريطانية، وكان أبو مازن يعول على صداقته لأميركا في إقناع قادتها للضغط على إسرائيل على الأقل لتجميد الاستيطان الصهيوني في المناطق الفلسطينية المحتلة، لكن أميركا لم تكترث بأبو مازن ولا بالحرج الذي أوقعته فيه، فواصلت الحكومة الإسرائيلية نشر مستوطناتها ليكسب طرفان عدوان، إسرائيل وحماس، إسرائيل مزيدا من المغتصبات وحماس مزيدا من الشعبية رافعة شعار «مش قلنا لكم؟».

الانهيار الآخر في الصومال، ففي آخر التطورات على التراب الصومالي توعد الرئيس الصومالي «المرضي» عليه من أميركا باستعادة العاصمة مقديشو من الحركات الإسلامية المسلحة، وهذا خبر لافت على طريقة خبر الآدمي الذي عض ذئبا، يعني لو كان الإنجاز صدا لهجوم هذه الجماعات لكان معقولا، لكن أن يكون الإنجاز في محاولة رئيس الدولة إعادة السيطرة على عاصمته فهذه أم الانهيارات.

وعلى الصعيد الاقتصادي، انهار مؤخرا عدد من البنوك الأميركية معلنة إفلاسها لتنضم إلى عدد من البنوك الأميركية العتيدة التي أعلنت إفلاسها مع تولي الرئيس الأميركي أوباما مهام منصبه، وأما معدلات البطالة فهي في حالة انهيار مزمن حتى يخال للمراقب أن مؤشر البطالة كسيارة تعمل بدون مكابح، ولأن أميركا إذا عطست أصيب العالم بالزكام، فانهياراتها السياسية في حربها مع الإرهاب وانهياراتها الاقتصادية جعلت العالم كله في «حيص بيص» سياسية واقتصادية لا يعلم أحد كيف سيخرج كوكبنا من دوامتها، فإخفاق أميركا في أفغانستان أو العراق أو الصومال سيكون له أبلغ الأثر على الدول التي تحارب الإرهاب والتشدد، وعلى هذه الدول أن تعد لنفسها العدة لمرحلة ما بعد هذه الانهيارات والانسحابات، لأن الأفق لا يعطي أي مؤشر على انتصار أميركي غربي حاسم على هذه القوى.

لقد قاتل أوباما بشراسة ليكون أول رئيس أسمر للولايات المتحدة الأميركية وقد حصل عليها، ولا ندري فلربما أضفى الناس عليه مستقبلا منصب رئيس الانهيارات الأميركية المتحدة.