حروب الكرة

TT

أنا خجول بما حدث في مصر. أو بما قيل إنه حدث في مصر. أو بما نفي أن يكون قد حدث في مصر. أي أن تتحول مباراة «رياضية» إلى رشق بالحجارة، وتكاد تشعل حربًا بين بلدين، كما حدث بين السلفادور وهندوراس العام 1969 عندما تدخلت الطائرات والدبابات والفرق لحسم عدد الأهداف المسجلة، وانتهى الأمر بخمسمائة قتيل و3 آلاف جريح.

ما هذا المناخ الرديء في هذا العالم العربي؟ سامحوني أن أعود إلى الوراء (الذي كان يومها الأمام). فقد كانت مصر تحتضن كل ما هو جزائري. وكانت مصر هي معين الثورة الجزائرية الأول. وكانت كل الشركات والمؤسسات ترفع اسمًا مرفقًا على الدوام بكلمة «المتحدة». وذلك كان شأن الأمة وخيالها وأحلامها ومناخها.

ففي بيروت كان بين «فروض» التلامذة أن يمروا على البيوت ليجمعوا التبرعات للثورة الجزائرية. والقاهرة كانت عمليًا عاصمة الثورة الرسمية قبل الاستقلال واتفاقات ايفيان مع فرنسا العام 1962.

ما هو اسم منتخب مصر اليوم؟ يدعى يا مولاي «الفراعنة». عندما طرح إحسان عبد القدوس الخروج من العروبة والعودة إلى الفرعونية قامت الدنيا عليه، في مصر وفي بلاد العرب. لكننا اليوم في مناخ آخر. أول ما تلاشى الشغف بالعروبة كان في الجزائر. البلد الذي هام به العرب من بعيد، أغلق أبوابه بعد التحرير «في وجه الغرباء». لم يكن أبشع من الحجارة المصرية على الفريق الجزائري سوى بعض التعابير والمقالات في بعض صحف الجزائر. ولم يكن أبشع من أقوال المستفتين في الشارع المصري سوى أقوال العابرين العابسين والغاضبين في الشارع الجزائري.

على أن هذا حدث فقع وتفجر. وثمة مناخ عام أشد سوءًا بكثير لا نعرف عنه لأنه لم يصل إلى تقارير الشرطة بعد. وعلامة هذا التقرير أن «الأفغان العرب» يذهبون إلى تورا بورا للقتال إلى جانب الملا عمر، وفي بلدانهم يقاتلون بعضهم البعض. ويذهبون إلى العراق لمقاتلة الأميركيين وعندما لا يجدونهم في انتظارهم عند محطات الركاب يفجرون آلاف النساء والأطفال. وفريق مناضل آخر يعبر الوعور من صعدة إلى جازان لأنه لم يجد أمامه قوى الاستكبار ولا بوارجها.

لا نخدع أنفسنا ولا سوانا. هذا المناخ الانقسامي الانفصالي العفن الذي حرك حجارة أنصار «الفراعنة»، يسيطر الآن على امتداد الأمة. آخر العفن الماضي ذهب رئيس المخابرات الجزائرية الجنرال محمد مديان إلى ليبيا لأربع ساعات لكي يقول للسلطات إن الدعوة التي وجهتها إلى زعماء قبائل الطوارق الجزائريين، غير مسموحة. ثمة عدم ثقة متبادل وحذر قائم على مدى المغرب العربي مثلما هو على مدى المشرق. المحيط الهادر هادر على نفسه والخليج الثائر يتساءل من أي باب جديد سوف يطل الحوثيون الجدد. وما هو اسمهم المقبل.