مستقبل حالك

TT

بقيام الحكم الوطني راودتنا الأحلام بأننا سرعان ما سنلحق بالغرب علما وثقافة وحضارة كما فعلت اليابان. وتغنى الشاعر بنهوضها:

أنا يابانية لا أنثني

عن مرادي أو أذوق العطبا

معبرا بذلك عن طموحنا بمحاكاتها ومسابقتها. مر الآن ما يقرب من قرن على ذلك الحلم ولم يتحقق، بل أصبحت الأحوال أسوأ مما كانت عليه في بعض البلدان كالعراق مثلا. صدر مؤخرا هذا التقرير الدولي المشترك المر من الأمم المتحدة ومؤسسة آل مكتوم ليكشف بأن 60 مليون عربي (ثلثاهم نساء) ما زالوا أميين ونحو 9 ملايين طفل لا يذهبون للمدرسة. (لم يذكر التقرير ما إذا كان الذاهبون للمدرسة يتعلمون أي شيء فيها) وبينما يصدر كتاب واحد سنويا عن كل 491 مواطنا في بريطانيا و713 في إسبانيا، تبلغ هذه النسبة 19150 مواطنا في العالم العربي.

يشيد التقرير بالتقدم في ميدان واحد هو زيادة الإقبال على استعمال الكومبيوتر والإنترنت. واأسفاه! لم يفطنوا إلى سر هذا الإقبال. إنه ليس طلبا للمعرفة، وإنما تهالكا على الخلاعة. نصف ما جرى من تقدم في تكنولوجيا الكومبيوتر يعود للخلاعة والجنس.

تضمن الحلم العربي الفكرة بأننا سنفعل مثل ما فعلته اليابان بإيفاد البعثات الدراسية للغرب فنتعلم ونلحق بهم. يقول التقرير إن ما يقرب من نصف المبعوثين (45%) لا يعودون لبلادهم. يمكنني أن أضيف فأقول إن من يعودون لبلادهم أيضا لا يمكثون طويلا فيها. أنا واحد منهم. حاول صدام حسين إغراءنا بالعودة بمكافآت سخية. عاد بعضنا. تسلموا المكافآت ورجعوا من حيث جاءوا.

هذه مشكلة كأداء. فهي لا تتوقف على غياب الحريات وحقوق الإنسان. إنها أوسع من ذلك بكثير. هناك الكثير من معالم الديمقراطية والرفاه في كردستان العراق الآن ومع ذلك فأبناؤها أكثر المتهالكين على الهجرة للغرب. سألت ممثلة كردستان في بريطانيا عن ذلك. قالت إنهم يجرون وراء الشقراوات الأوروبيات! أيعني ذلك أن علينا تخصيص مبالغ في الميزانية لصبغ كل بناتنا بالحناء ليبقى شبابنا في ديارهم؟ المشكلة عميقة. هناك الماء والخضراء والطقس والطبيعة والمعالم الحضارية، فضلا عن حقوق الإنسان واحترام الكفاءات والمواهب.

لم يلتفت التقرير إلى خطورة هذه النقطة. يجري اختيار المبعوثين حسب نتائجهم ومؤهلاتهم الدراسية، أي إنهم يمثلون النخبة الذكية. لهذا لا يعودون(!). عدم عودتهم يعني نزوح الأدمغة من البلاد. ويعني بمرور الأجيال انخفاض مستوى الذكاء الوطني إلى أسوأ مما نجده في بعض حكامنا وأحزابنا السياسية الآن. فما هو الحل؟ الحل في رأيي هو أن نختار المبعوثين من المتخلفين فقط والساقطين في الامتحانات. إذا لم يعودوا فخير على خير. ربما يوفقون ببقائهم هناك إلى خفض مستوى الغرب فينحدر إلى مستوانا بدلا من أن نرتفع نحن إلى مستواه. وهي النتيجة المبتغاة. يلحق بنا بدلا من أن نلحق نحن به.

ولإتمام العملية، ينبغي منع الأذكياء من السفر للخارج. تختم على هويتهم «ذكي. ممنوع من السفر».