ثاني مرة: توفيق الحكيم!

TT

كنت أعمل محررا في جريدة الأهرام سنة 1950 وكان كامل الشناوي قد نقلنا معه.. فقد كنا نعمل معا في صحيفة (الجريدة المسائية) التي عاشت أربعين يوما وأقفلتها الحكومة. حكومة إبراهيم باشا عبد الهادي وهو قريب أمي. وماتت تحلم بأن أكون مثله. وهي لا تزال تؤمن بذلك ويوم عرض علي الرئيس السادات أن أكون وزيرا للثقافة في وزارة الدكتور عبد العزيز حجازي. اعتذرت وقلت أريد أن أقرأ وأكتب يا ريس.. أرجوك..

وفي أعماقي أن أمي ماتت. كانت ستفرح بأن أكون وزيرا. وما دامت قد ماتت فلا يهم أن أقبل الوزارة..

وفي مكتب كامل الشناوي جاء توفيق الحكيم. وقد دعاه كامل الشناوي وقال له: إن الأستاذ محمد التابعي قد أرسل له عشاء فاخرا من دمياط.. حمام محشو.. كمية كبيرة. وجاء الحكيم لهذا السبب. والآن أراه أوضح. إنه يتهته في الكلام. ويقول كامل الشناوي إن أمير الشعراء شوقي كان كذلك. والشاعر إبراهيم ناجي يثأثئ. ولذلك لم يسمعه أحد وهو يقرأ شعره وإنما كان يقرأه الشاعر حافظ إبراهيم والشاعر كامل الشناوي.

وكان الحكيم لا يتكلم كثيرا وإنما له تعليقات مضحكة. وهو نحيف قصير. نحيف جدا. وإذا جلس فإنه يسند رأسه على عصاه.

وقدمني له فضحك الحكيم وقال: أنا أعرفه.. ولنا مع بعض حكاية.

وتشجعت وحكيت وكانت نكتة الجلسة والسهرة. وأضاف كامل الشناوي من عنده أن توفيق الحكيم أخرج الساعة من جيبه فوجدها من نوع رديء. فما كان من الحكيم إلا أن طلب من أنيس أن يحمل عنه الجاكتة. أن يساهم بأي شيء. والحكيم معه الساعة والجاكتة ولم يعد يتعلق بذراعه.. وراح يمشي وراءه أو أمامه لا يهم..

وتوقف الحكيم في الطريق ـ كامل الشناوي هو الذي يقول ـ وسأله الحكيم: وأنت معك فلوس أد أيه.. طبعا أكثر من خمسة قروش.. طيب إذا قلت لك إنني مش عاوز المشمش فكم تدفع؟!

قلت: خمسة قروش..

قال: طيب يبقى أنا استفدت أيه..

قلت: خلاص يا أستاذ أشتري منك المشمش بعشرة قروش..

ووافق الحكيم وأعطاه المشمش وعاد إلى البيت سعيدا لأنه قد كسب قرشا!