الميجور حسن الأفغاني!

TT

أكثر العرب، والعرب الأميركيين، يظنون أنهم محل ارتياب ومتابعة، وبالتالي تجد العديد منهم يتبع الحديث النبوي «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، بالابتعاد عن كل ما يدعو للشك وينغص عليهم حياتهم. لكن عندما تقرأ قصة الطبيب الميجور نضال حسن الذي قتل 13 من رفاقه في قاعدة عسكرية أميركية في تكساس تستغرب من أن الرجل كان كل شيء فيه يدعو للريبة، ومع هذا كان يسير مثل نمر جائع في حديقة مليئة بالفرائس!

كان يلبس مثل الأفغان، الذي لا يلبسه من العرب إلا من يسمون أنفسهم العرب الأفغان وينتمون للجماعات المقاتلة. ويتحدث بعدوانية في الشأن السياسي ويعمل في الوقت نفسه في قاعدة عسكرية على تماس مع أحداث المنطقة، ثم يتم اختياره ليحارب في العراق.

فإذا كان أميركي من أصل عربي، ويعمل في قاعدة عسكرية، ويسير كمقاتل أفغاني أمام الجميع إنما بدون سلاح، ومع هذا لا يبحث في شأنه ويوضع تحت المراقبة يدلل على أن كل ما طبق في السنوات التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر غير متوازن، ففي بعضه الكثير من القسوة على أناس مؤكدة براءتهم وفيه الكثير من التراخي على فئات أخرى لا يمكن أن يسمح لها أن تخرج بعيدا عن رادار المراقبة الأمنية والمساءلة أيضا. الميجور حسن ما كان له أن يحظى بمثل هذا التراخي في أي بلد عربي بهندامه ومواقفه، ويستحيل أن يسمح لمثله أن يعمل في قطاع عسكري أو أمني.

وأعرف أن البعض سيتعلل بالقوانين التي تحمي حقوق المواطن في أميركا وأن الدستور أعلى من الدولة وأجهزتها الأمنية، وهذا صحيح في حق الأغلبية المسالمة التي لا ذنب لها أن اسمها أو دينها أو عرقها عربي أو إسلامي أو غيره من مواصفات الاشتباه المرتبطة بأزمة العصر. ولا أحد يتوقع أن توقع العقوبة بالقاتل حسن فقط لأنه يلبس مثل المقاتلين الأفغان، أو يتحدث علانية معارضا سياسة بلاده كأميركي، لكن في الوقت نفسه الحد الأدنى والمتوقع هو حماية المجتمع منه، وربما حمايته من نفسه بالمتابعة والمساءلة. وواضح في قضية الطبيب أن هناك خللا أمنيا استوجب الآن فتح التحقيق بسببه.

أعرف أيضا أن الجانب القانوني أكبر من أن يختزل في الهواجس والتمنيات، وأن القانون يفترض أنه أعلى من أعلى سلطة في البلاد بدليل أن الرئيس باراك أوباما قرر إلغاء المحاكمات العسكرية للمتهمين بالعمل مع القاعدة من سجناء نزل غوانتانامو وتحويل أمرهم إلى محاكم مدنية لأنها أكثر قانونية. أمر قد لا يكون مفهوما في هذا الجزء من عالمنا، فخالد شيخ محمد المتهم الأول في عمليات القاعدة الإرهابية متورط باعترافاته التي فاخر بها في أخطر العمليات التي نفذت من هجمات الحادي عشر إلى البارجة الفرنسية وعشرات الجرائم الضخمة في أفريقيا والمنطقة العربية. ومع أن إحالة القضية إلى القضاء المدني ستمنح العدالة وجها أفضل، لكنها ستضعف أيضا مفهوم مواجهة الإرهاب الذي هو أكبر من الجدل القانوني. أوباما رئيس محترم من كل ما نراه من خطوات تدلل على صدق نواياه وسلامة مواقفه، إنما في منطقتنا وفي كل مكان من العالم الجميع يقرأون كل خطوة يتخذها ليس فقط من زاوية الاحترام بل أيضا من قدرته على التنفيذ والمواجهة، سواء في محاربة الإرهاب أو فرض السلام أو غيره من القضايا المصيرية. نحن يهمنا أن يمنح السلام جهدا وأن يصارع من أجله كثيرا ولا يهمنا في واقع الأمر أن يؤمن لإرهابي مثل خالد شيخ محمد فرصة عادلة.

[email protected]