العصر الصيني

TT

أكثر موضوعين أثارا جدلا في المؤتمر الصيني الإفريقي الذي عُقد في شرم الشيخ قبل نحو أسبوع هو عالميا دعوة رئيس الوزراء الصيني الولايات المتحدة إلى معالجة العجز المالي لديها للحفاظ على مستوى الدولار، وإقليميا إعلانه عن استثمارات بعشرة مليارات دولار في دول إفريقية وما صاحب ذلك من جدل أثارته ليبيا من مخاوف حول الدور الصيني في إفريقيا، وهي مخاوف رأى كثيرون أنها غير مبررة في ضوء حاجة إفريقيا إلى الاستثمارات خاصة إذا كانت دون شروط سياسية.

ومع زيارة الرئيس الأميركي أوباما الأولى إلى الصين حاليا عاد تسليط الضوء على العلاقات الأميركية ـ الصينية المعقدة، والصعود الصيني المنافس كقوة اقتصادية وبالتبعية عسكرية بما قد يهدد مكانة الولايات المتحدة كقوى عظمى أولى في العالم وهي أيضا مسألة محل جدل وأخذ ورد.

العلاقات المعقدة أبرزها التصريح الصيني في شرم الشيخ حول الدولار وهو ليس الأول فهو تكرر كثيرا منذ نشوب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الحالية، فصحيح أن الصين تصعد بسرعة على المسرح الدولي كقوة عظمى منافسة لأميركا، لكنها أيضا تعتمد كثيرا على منافستها، فجزء كبير من احتياطياتها الأجنبية الضخمة المقدرة بنحو تريليونَي دولار موظفة في سندات أميركية بما يعني أنها أكبر مقرض للولايات المتحدة، وهي نتيجة هذا الوضع لها مصلحة حيوية في بقاء الاقتصاد والدولار الأميركي قويَّين، ومن جهة أخرى فإنها كاقتصاد صادرات تعتمد بدرجة كبيرة على السوق الأميركية في تصريف منتجاتها بينما سوقها المحلية لم تصل بعد إلى المرحلة التي يستطيع فيها الاستهلاك المحلي إبقاء دورة الانتعاش والنمو قوية.

ومازالت الصين رغم ما حققته من صعود على المسرح الدولي قوة خجولة حتى الآن، فالمسؤولون الصينيون يصرون على أنهم دولة نامية ولديهم الكثير من المشكلات التي تعانيها الدول الفقيرة، من احتياجات لرفع مستوى الدخل والمعيشة وتوفير خدمات إلى آخره، كما أنها كقوة سياسية ما زال دورها محدودا وخجولا على الساحة الدولية، وتنفتح على العالم بشكل تدريجي وتحركها المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى.

ويتنبأ كثيرون بأن النصف الثاني من القرن الحالي سيكون العصر الصيني مع تفوق الصين في الحجم اقتصاديا على الولايات المتحدة نفسها، ولأن السياسة والقوة العسكرية تتبعان الاقتصاد ستصبح القوة العظمى الأولى في العالم، بينما يجادل كثيرون أيضا بأن الطريق ليس ممهدا أو سهلا في ضوء عوامل كثيرة بينها التفاوتات الداخلية في درجة النمو الاقتصادي، وأن الفارق لا يزال ضخما في مستوى دخل الفرد في الصين مع الدول الصناعية الأخرى.

أيا تكن النتيجة من سيكون الأول أو الثاني، فإن المؤكد أن هناك صعودا صينيا مستمرا سيرتب توازنات قوى عالمية جديدة تحتاج دول العالم إلى أخذها في اعتبارها عند رسم مصالحها وسياساتها في العقود المقبلة، والصعود لن يكون حكرا على الصين وحدها فهناك قوى ناشئة منافسة أخرى حجمها ضخم مثل الهند والبرازيل. وعموما فإن الصين كان ناتجها المحلي يساوي 32% تقريبا من الناتج المحلي لاقتصادات العالم في عام 1820 قبل فورة الثورة الصناعية، وهناك تقديرات بأن حجم اقتصادها سيصل إلى 45 تريليون دولار في عام 2050 مقابل 35 تريليونا للولايات المتحدة.