أي خطأ أفسد المفاوضات؟

TT

واحد من أهم أسرار العمل السياسي الجديد أن خطة بديلة اقترحت في حال رفض رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مشروع إقامة الدولة الفلسطينية. الحل كان أن يلجأ طرف محايد مثل الاتحاد الأوروبي إلى مجلس الأمن ويطلب الموافقة على إقامة دولة فلسطينية، وهنا تؤيد الدول الخمس الدائمة العضوية، بما فيها الولايات المتحدة، مما يجعل إسرائيل لا تستطيع منعها، ولا التدخل في شأنها وتحظى بما حظيت به إسرائيل عندما منحت نفس الفرصة وأقيمت بقرار من مجلس الأمن، وأعلنت في عام 48. مشروع ذكي وبالغ الأهمية والخطورة أيضا، لهذا وضع تحت الوسادة ونام المخططون عليه حتى لا يساء استخدامه من قبل الجانب الفلسطيني ولا يسعى الإسرائيليون إلى تخريبه قبل أن يحين موعده. كنت قد سمعت به همسا قبل أشهر وكتبت عنه، لكن في إطار الرأي الصحافي العام، وكنت أعرف الظروف التي ولدت فيها الفكرة والأسباب الواجبة لها لاحقا لتستخدم كعصا ضد حكومة نتنياهو والفريق المتطرف في إسرائيل لو رفض السير في اتجاه التفاوض والحل. المشكلة غير المتوقعة أن العقبات ظهرت من الجانب الفلسطيني، أما التعطيل الإسرائيلي فقد كان متوقعا.

وهنا أستعير عبارة ونستن تشرشل التي يقول فيها عندما سألوه عن الفارق بين المتفائل والمتشائم. قال إن المتفائل هو الذي يرى فرصة في كل مشكلة، والمتشائم ذلك الذي يرى مشكلة في كل فرصة. وصف رائع للجانب الفلسطيني الذي أضاع كل فرصة لاحت له، وها هو يضيع أخرى. نحن نعرف جيدا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يريد مفاوضات لأنها ستؤدي إلى حل والحل يعني إقامة دولة فلسطينية وإقامة الدولة ينهي حلمه في الضفة وغزة. لهذا تمسك بقشة المستوطنات وأصر على رفض وقف البناء. لكن، ولأن الرئيس الأميركي مارس عليه ضغوطا مكثفة، تنازل بما يعادل ثمانين في المائة في تفاصيل وقف المستوطنات، بحيث أصر على البناء في حالات محددة. أبو مازن رفض طالبا وقفا كاملا، كما أن مفاوضه الكبير صائب عريقات اعتبر الامتناع نصرا، وهكذا تنفس الإسرائيليون الصعداء واستأنفوا البناء في كل شبر أرادوا البناء عليه.

أدرك أن البعض انتقدوني لأنني قلت إن شرط وقف المستوطنات إجمالا يخدم نتنياهو أكثر مما يفيد أبو مازن، حتى أن أحد المسؤولين العرب قال لي كلاما ساخرا لا أستطيع ترديده هنا. والفارق بيننا نراه في مقولة تشرشل، فأنا أرى فرصة كبيرة بوجود الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبوجود أبو مازن كزعيم للفلسطينيين بنزاهته ومصداقيته، هو الأكثر تأهيلا للمضي في التفاوض وتحقيق الدولة الفلسطينية لأن الغربيين تحديدا يؤمنون بصدق نواياه، وعرف دائما بأنه يفي بما يعد، بخلاف الراحل الرئيس ياسر عرفات. شخصية أبو مازن كانت ستساهم في دفع التفاوض إلى النقطة المطلوبة، خاصة أنه مسلح بالمبادرة العربية التي لم يحظ الرئيس عرفات بمثلها. فأحد الأسباب التي جعلت أبو عمار يجبن في عام 2000، عندما وضع الرئيس الأسبق بيل كلينتون على الطاولة حلا جيدا، هو خوفه من ردود الفعل، وكان محقا في هذا الجانب لأنه حتى حلفاؤه، مثل مصر والسعودية، رفضوا دعمه فوجد نفسه وحيدا، لذا تهرب من مشروع كلينتون الذي يعتبر اليوم أمنية أن يمنح الفلسطينيون مثله.

غدا سأتحدث عن لماذا التفاوض مهم وعلاقة المشروع العصا، بإقامة الدولة من قبل مجلس الأمن.

[email protected]