تخريجة أزهرية ـ محجوبية لـ«يوم المريخ»

TT

تقع على عاتق إخواننا أهل حُكْم «الإنقاذ» في السودان مسؤولية معنوية كبرى لكونهم يستضيفون في ملعب «نادي المريخ» الجولة الثانية الحاسمة بين مصر الكروية وشقيقتها الجزائر الكروية. ومع الأسف الذي أبداه كل عربي بالنسبة إلى الجولة الأولى وما رافقها من تشجيع تهريجي واستفزازات وعبارات تَخاطُب لا تمتّ في معظمها إلى التهذيب واللياقة والأخوّة بأي صلة، فإن أجواء هذه المباراة لا تتسم بروح رياضية ولا حتى بالتنافس العقلاني وإنما في ظل حالة طوارئ استثنائية واستنفار عسكري وبعصبية تحمل في مفاصلها دوافع الانتقام وكأنما اللاعبان المصريان اللذان خطفا فرصة التأهل من المنتخَب الجزائري ارتكبا جريمة لا تُغتفر توجب على أنصار هذا الأخير أن يرجموا بالحجارة مكاتب «شركة مصر للطيران» في الجزائر ويُدخلوا الرهبة على المصريين الذين يعيشون في مناطق جزائرية بعدما كان مصريون مشجعون لمنتخبهم ارتكبوا في حق المنتخَب الجزائري عندما جاء إلى القاهرة تصرفات بالغة السوء شملت كذلك إيذاء مشجعين للمنتخَب الشقيق.

ما كان خطيرا خلال مباراة القاهرة يبدو أنه أكثر خطورة في «يوم المريخ»، حيث سيلتقي المنتخبان لكي يفوز أحدهما بمجد التأهل لكأس العالم في جنوب إفريقيا عام 2010 عن المجموعة الثالثة. ودليلنا على أنه أكثر خطورة أن اجتياحا جزائريا ومصريا من المشجعين وعناصر الأمن يحدث منذ يومين جوا وبرا للعاصمة المثلثة الخرطوم. كما أن الاتصالات على المستوى المخابراتي والدبلوماسي نشطت كما لم تنشط في أي أزمة غير سياسية الطابع.

في ضوء ذلك يأتي قولنا إن رئيس «الإنقاذ» الفريق عمر حسن البشير يتحمل مسؤولية معنوية كبرى لا تقل أهمية عن المسؤولية المعنوية التي سبق، ومع اختلاف الظروف والموجبات، أن تَحمّلها لمناسبة انعقاد القمة العربية الطارئة في الخرطوم صيف 1967 الرئيسان الراحلان إسماعيل الأزهري ومحمد أحمد محجوب. فهما بالحنكة وحُسْن التصرف حوّلا استقبال قطبَي الأمة ورمزَي الخصومة الأكثر تعقيدا في معظم سنوات قيادتهما الملك فيصل بن عبد العزيز والرئيس جمال عبد الناصر إلى عمل ناجح بامتياز. بل يجوز القول إنه لولا تلك التخريجة الأزهرية ـ المحجوبية لربما كان وقَع ما ليس في الحسبان. ولقد تمثلت التخريجة في استقبال الزعيمين في توقيت متقارب لهبوط طائرتيهما في مطار الخرطوم والانتقال بهما في موكب واحد: الملك فيصل والرئيس الأزهري في سيارة مكشوفة واحدة والرئيس عبد الناصر ومعه الرئيس محجوب في سيارة أخرى. وبهذه التخريجة تحوَّل الألوف من السودانيين المصطفين على جانبي الشارع بمسافة عشرة كيلومترات من مطار الخرطوم إلى فندق السودان المقر الأكثر تواضعا بين المقرات التي استضافت ملوك القمم العربية ورؤساءها من حزانى على الواقع العربي المتردي والمتعاطفين مع عبد الناصر الذي أصابته هزيمة 5 يونيو (حزيران) ثم مؤامرة رفيق الثورة والحكم المشير عبد الحكيم عامر عليه في صميم كبريائه، إلى جمهور مبتهج بالزعيمين العربيين الكبيرَين فيصل بن عبد العزيز وجمال عبد الناصر وقد وضعهما الرئيسان الأزهري ومحجوب على طريق المصالحة التاريخية. وبذلك حققت القمة العربية الطارئة نجاحا لم تحققه قمة لا من قبل ولا من بعد باستثناء القمة العربية الدورية الثانية في بيروت (28 ـ 29 مارس «آذار» 2002) التي تبنَّت بالإجماع مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز (كان زمن ذاك ما زال وليا للعهد) للتسوية وهي المبادرة التي شكلت السقف الواقي للتماسك العربي في وجه التطبيع العشوائي.

في مقدور الرئيس عمر البشير، المحاط بعدد من المستشارين الذين يجمعون بين الكياسة والدهاء السياسي والقدرة على الابتكار، تحويل هذه المباراة إلى لحظة رياضية عربية أخوية. ألم يحوّل بكبيرَي المحيطين به علي عثمان محمد طه وغازي صلاح الدين العتباني حربا بين الشمال والجنوب دامت عقدَين إلى مشروع سلام وإن كان المشروع عرضة للانتكاس نتيجة اختلاط الصالح بالطالح من النيات؟

أما كيف يمكنه تحقيق ذلك فبالعودة إلى روحية التخريجة الأزهرية ـ المحجوبية ومن دون إقحام هذه الروحية بما فعله مع شيخ «الإنقاذ» الدكتور حسن الترابي الذي ندعو له بالتعافي وبوصْل ما انقطع بين الإنقاذ «الفقهي» والإنقاذ «الجنرالي» وبذلك تنجو العلاقة المصرية ـ الجزائرية من مضاعفات تنشأ في «يوم المريخ السوداني».. وهذا ما لا يتمناه السودان الذي هو أخو إخوان العرب ويتمناه كل عربي معه. والله الموفق.