هل تشعل أحداث اليمن مصابيح ظلام الإيرانيين؟

TT

بلا إنصاف ولا مراعاة لحياة البشر ومصير الفقراء يواصل الخمينيون إثارة الفتن. فما إن تخمد فتنة حتى يثيروا أخرى. أثاروها في غزة، وبتشجيعهم تكبّد الفلسطينيون خسائر بشرية ومادية فادحة ولم يحركوا ساكناً خلال أسابيع الحرب، فكشفت غايتهم، وها هو السيد هنية يعلن عدم الرغبة في تجديد حملات عنف مع إسرائيل. وتشكلت الحكومة في لبنان بهزيمة حزب الله في الانتخابات. وها هم المتمردون شمال اليمن في وضع لم يشهدوه من قبل. واكتفت إيران بتصريحات مثيرة للفتنة أيضا عندما تريد أن تجعل نفسها وصية على الشيعة، وهي كذبة كبيرة عندما تخرج عن نطاق مصالحها.

وتعكس التصريحات الإيرانية الأخيرة تمادي مخططي الفتن وإحباطهم معاً، لأن أحداث اليمن خرجت عن توقعاتهم لردود الفعل. وإذا ما فهم حملة السلاح أن زمن العنف ولّى واهتدوا إلى منطق السلم والحوار للحصول على المطالب المشروعة، والتخلي عن التعويل على الدعم الإيراني، فستمنى برامج التوسع الإيرانية بضربة قوية تفيق السذج والواقعين تحت تأثير شحن الخميني الذي لم يؤد به الإصرار على مواصلة الحرب إلا إلى تجرع السم. ومن مصلحة المتمردين فهم الموقف العربي والدولي من أحداث اليمن، فمعظم الدول العربية اتخذت موقفاً، كان مفترضاً اتخاذه من الحكومة في بغداد أيضاً، لا سيما أن المسؤولين العراقيين ما انفكوا يطالبون مراكز الثقل العربي بالانفتاح عليهم، وربما كان تجاوز المتمردين على الحدود السعودية فرصة لموقف إيجابي وليس الاقتراب من الموقف الإيراني. والشيء المهم أن منظمات حقوق الإنسان لم تعلن خرقاً للمواثيق والأعراف الدولية في رد الفعل على التمرد.

والآن، وبعد أن أدرك العرب والعالم أن إيران قد تحولت إلى أرض للزوابع بسياسة تحد باتت مكشوفة، فقد حان وقت إشعال مصابيح الحرية في ظلام الإيرانيين، لمساعدتهم في شق طريق الحرية بعيداً عن العنف. ليس على قاعدة الرد على الأفعال السلبية الخمينية، بل من أجل الانتهاء من حالة لم تترك مجالا للتعامل البناء، ولكي ينصهر الإيرانيون مع المحيط الذي أصبحت العلاقة معه تمر بمسالك خطرة.

مساعدة قوى التحرر الديموقراطي واجب إنساني قبل أن يكون سياسياً، فالذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على شيعة العالم كان عليهم أن يضربوا مثلا سمحاً في التعامل مع المكونات الدينية والعرقية بروح المواطنة المتساوية، وليس السكوت على ما قيل عن أن المسجد السني الوحيد في مدينة مشهد، إحدى كبريات المدن الإيرانية، دبرت له طريقة استملاك لأغراض مشاريع تطوير المدينة وأزيل، أو عن عدم وجود مسجد واحد للسنة في العاصمة. وتناسى الخمينيون أن الشيعة العرب أسياد في بلادهم.

لقد نجح النظام القائم في توزيع الظلم على مكونات بعينها حتى لو آمنت بولاية الفقيه، فمعظم العرب في إيران شيعة، ونشطت منظماتهم في الخارج بنقل أخبار عن إجراءات تعسفية لتغيير الهوية. والإعدامات الفورية في ولاية سيستان وبلوشستان تعكس أبعاد الاضطهاد من دون توافر ظروف ومعطيات الرد القانوني.

لذلك، أصبحت مساعدة المكونات الإيرانية في تحقيق تطلعها لحياة حرة واجباً كعمل مرادف لإجراءات منع إيران من امتلاك سلاح نووي، بعد ثبوت المماطلات الرسمية. وإن مصابيح تبديد الظلام يمكن أن تكون في حزمة إجراءات إقليمية ودولية بطرق مباشرة وغير مباشرة. منها بدء التحضير لفرض عقوبات معززة في مجالين مهمين هما: وقف التعاملات المالية الخارجية، ووقف تصدير المشتقات النفطية الذي سيكلف خزينة الدولة بلايين الدولارات سنوياً، ويترك أثراً يساعد قوى الديموقراطية على تعزيز وجودها، قبل أن تتمكن المشاريع الإيرانية من التغلب على النقص الكبير في هذا الجانب الحيوي بعد نحو سنتين.

ومن غير الطبيعي عدم امتلاك معظم المنظمات السياسية الإيرانية المعارضة قنوات فضائية، حيث أثبتت تأثيرها الكبير في توعية الشعوب، ومن غير المعقول عدم امتلاك عرب الأحواز قناة واحدة، وربما الأغرب عدم وجود فضائية عربية واحدة باللغة الفارسية، فيما ينشط العديد من القنوات الإيرانية والموالية لها باللغة العربية. وأي دعم مالي دولي وعربي لمنظمات حقوق الإنسان والنشاطات الإعلامية ضمن الأعراف الدولية، سيترك أثراً أبلغ كثيراً من التلويح المتكرر بعمل عسكري. كما أن من الضروري مراجعة اتهامات النظام لمعارضيه للتأكد من نهجه في لصق التهم.

ومطلوب التحسب مستقبلا للأبعاد الخفية لكل تحرك دبلوماسي إيراني كما حصل في زيارة لاريجاني لصنعاء، وأخذه كجزء من فلسفة التغطية على خطط التدخل السرية حتى يثبت العكس. ويبقى على المخدوعين والسذج والمغرر بهم أخذ العبرة من خذلان نظام ولاية الفقيه لأتباعه وقت الجد، والحرص على خصوصيات المواطنة والسلام بعيداً عن العنف.