مكمن الخطأ في المفاوضات

TT

عندما كان الرئيس المصري أنور السادات يفاوض رئيس وزراء إسرائيل، مناحيم بيغن، في كامب ديفيد عقّد الإسرائيليون الأمور إلى درجة كادت تفشلها، وأحدها حينما أصروا على تجريد سيناء بعد الانسحاب من معظم قوة الدبابات المصرية. ألح الطرف الإسرائيلي على أن لا يزيد عددها على ثمانين دبابة، في حين تمسك الوفد المصري بأكثر من مائة وعشرين، وهمّ المصريون بحزم أمتعتهم والعودة إلى القاهرة. ذهب السادات لوداع الرئيس جيمي كارتر الذي اعترف بأن المصريين على حق، ووعد السادات بالضغط على بيغن، لكن السادات فاجأه بقبول الشرط الإسرائيلي وعاد الجميع لاستكمال التفاوض. وهكذا وقعت كامب ديفيد وعادت كل سيناء والقناة والنفط وثبت أن السادات على حق لأن ثلاثين دبابة ما كان يستحق الخلاف عليها. شعر السادات أن بيغن يبحث عن وسيلة لإفشال المفاوضات، وأن مائة دبابة أو ثلاثمائة دبابة لن توقف أي عدوان إسرائيلي مستقبلي.

إن أي مفاوض فلسطيني يستطيع أن يخمن المعادلة الرياضية نفسها، هناك ثلاثة احتمالات بشأن عقدة المستوطنات لا رابع لها. الاحتمال الأول، التفاوض مع تجميد البناء تماما، والنتيجة لاحقا حل بإزالة معظم المستوطنات القديمة. الثاني، التفاوض مع عدم وقف المستوطنات، والنتيجة حل بإزالة المستوطنات القديمة والطارئة. الثالث، عدم التفاوض واستمرار المستوطنات. أي الاحتمالات الثلاثة أسوأ؟ الأخير بالتأكيد عدم التفاوض واستمرار البناء.

لننظر إلى ما حدث في الجولات الماضية، فقد تسبب رفض الرئيس الراحل عرفات مفاوضات عام 2000 إلى استئناف الإسرائيليين البناء وكبر الرقم من 180 ألف مستوطن إلى نحو 450 ألف مستوطن اليوم في الضفة. الرقم سيزداد بوتيرة أوسع بسبب تعطيل المفاوضات، لأن الاستيطان لعبة المتطرفين الإسرائيليين بهدف فرض حقائق على الأرض بشرية وإسمنتية.

فقد أخافت المعارضة الفلسطينية، بقيادة حماس والجهاد الإسلامي، عرفات، وأفسدت مفاوضاته مع كلينتون قبل تسع سنوات بشن عمليات انتحارية في القدس وغيرها كانت نتيجتها أن بنى الإسرائيليون واحدا من أطول الجدران الأمنية في العالم وأكثرها فعالية، امتد لنحو أربعمائة كيلومتر. لم ينجح الجدار فقط في إيقاف العمليات الانتحارية بل أخطر من ذلك فقد سرق نحو 12 في المائة من أراضي الضفة الغربية، ومزق قرى ومناطق فلسطينية، وأحال حياة أهلها إلى بؤس مريع. الكثير من الشواهد تؤكد أن إضاعة الوقت ليس تكتيكا يناسب الحالة الفلسطينية بل يخدم فقط الهدف الإسرائيلي. وأنا هنا أتحدث عن حالة تاريخية استثنائية بوجود باراك أوباما في البيت الأبيض، ووسيط نزيه مثل جورج ميتشل، واستعداد أوروبي حقيقي لدفع قيام الدولة الفلسطينية، ورئاسة فلسطينية تحظى باحترام العالم.

هذه المرة عمل نتنياهو على استراتيجية من جبهتين لإفشال الضغوط الأميركية، قبل بجزء من طلبات المبعوث الأميركي بوقف بناء التوسع في بناء المستوطنات، لكنه أصر على رفض وقف ما سماه النمو الطبيعي. واستدرج الفلسطينيين للغوص في شرط ما قبل التفاوض، وهكذا ضيع ثمانية أشهر ثمينة.

الإيجابي في الجانب الفلسطيني أن رئيس الحكومة سلام فياض استمر يعمل في صمت على مشروع بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، كما لو أن الدولة ستعلن بعد عامين. أمر يثير الإعجاب.

مشروع الدولة التفت إليه الأوروبيون في مطلع الصيف الماضي كوسيلة ضغط على نتنياهو، ليهددوه بتبني فكرة إعلان الدولة الفلسطينية دون مفاوضات. فكرة ليست جديدة إلا في أمر واحد، أن صاحب المشروع هذه المرة ليس السلطة الفلسطينية، بل الجانب الأوروبي مما يجعلها أخطر خطوة تجاه إسرائيل منذ احتلالها الضفة الغربية وغزة في عام 67. مشروع بالغ الأهمية يتطلب من الفلسطينيين أن يظهروا أنهم الطرف المتعاون لا المعطل، لكن هنا توقف حمار الشيخ في العقبة.

[email protected]