درس من النيبال

TT

أولا بأول. وبدءا بالأول أقول إن الأخ بدوي من مصر وإخوانا آخرين من أمصار أخرى يسألون عما إذا كانت هناك مجموعات من مقالات هذه الزاوية قد نشرت وطرحت في الأسواق. هناك خمس مجموعات منشورة، أيام فاتت، أيام عراقية، حكايات حب وغرام، الشعراء في إخوانياتهم، صباح الخير. وهي متوفرة في بعض المكتبات كمكتبة دار الحكمة ومكتبة الساقي في لندن ومكتبة داهش في نيويورك، بالإضافة للمكتبات المحلية. واللي يدور يتعب.

وبعيدا عن كل ذلك، أريد أن أطلب العلم لا في الصين وإنما البلد المجاور لها، النيبال. استطاع الثوار الشيوعيون الماويون قبل أشهر إسقاط النظام القائم ووصلوا إلى الحكم ولكن بطريقة ديمقراطية، وهو ما سيعجب منه معلمهم ماو تسي تونغ. وتسلموا الحكومة بشكل ديمقراطي أيضا فشكلوا حكومة ائتلافية مع الأحزاب الأخرى. غير أنهم سرعان ما دخلوا في صدام مع قادة الجيش، فانسحبوا من الحكم بصورة ديمقراطية أيضا وقدموا استقالتهم، وهو ما يعجب منه أي مسؤول عربي أو مدير بنك غربي. والبلاد الآن في دوامة لا يهون من أمرها سوى أن النيبال ليس فيها نفط ولا أحد يعرف أين مكانها في الخارطة.

الدرس الذي أود الإشارة إليه درس قديم. وهو أن الثوار يبدعون في القيام بالثورة، ولكنهم يفشلون في القيام بالحكم. يقضي الثائر جل وقته في التخطيط للثورة ومراوغة الحكومة ومواجهة المخابرات وخوض المعارك ويقضي حياته خارج إطار الحياة الاعتيادية.

لا يجد أي متسع لدراسة أمور الحكم والحكومة. سمعت أحد الشيوعيين المسرحين من سجن نقرة السلمان بعد ثورة 14 تموز، يقول إنه لم يعرف كيف يمشي عندما خرج من السجن. فبعد سنوات في السجن نسي الثوار كيف يمشي الإنسان. لا عجب أن نسمع عما وقعوا به بعد الثورة.

عمل الثورة غير عمل الإدارة والحكم. فهم ذلك الزعيم الثوري الإيطالي غاريبالدي. ما إن نجح في مهمته الثورية حتى سلم الحكم لكافور المدني وتوارى عن الأنظار. ولكن ستالين لم يستطع مقاومة إغراءات السلطة فجعل منها هريسة. وكذا فعل الثوار العرب حيثما نجحوا وتسلموا الحكم. ربما يأسف الجزائريون اليوم أن سلموا بلدهم لبومدين بدلا من فرحات عباس. حتى قادة الثورة الفرنسية وقعوا في هذا المطب. منديلا الشذوذ الذي يثبت القاعدة. وهذا سر تميزه بالعبقرية والعظمة.

بزنس الثورة والنضال غير بزنس الحكم والسياسة. السياسة وعرة وعلى الثائر ألا يدنس يده بها. هذا ما قلته عندما فازت حماس بالانتخابات. أنتم ثوار بدوام كامل وعملكم هو الكفاح المسلح وبرنامجكم قائم على حد السيف. اتركوا السياسة لأهلها. بيد أن السلطة غانية مغراء. ومن أنا لأعظ الثوار أن يتحاشوها وقد وقع بسحرها كل من حمل البندقية وثار؟