خلافة أبو مازن: الأسماء كثيرة وأبرزها ناصر القدوة!

TT

هل الذي يجري في البيت الفلسطيني صحي؟ أم تخبط قد يوقظ أهل السلطة أو يؤدي إلى حالة جمود.

تداعيات تقرير غولدستون بدأت تُحصد، ولا بد من الإقدام على تغييرات إنما بدراسة وعدم استعجال.

مجلة «الإيكونوميست» وصفت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأنه «مرن جدا» وهذه ليست بالصفة الحميدة. ورأت، ردا على إعلانه بأنه سيغادر الحلبة السياسية ولن يترشح للانتخابات الرئاسية، بأنه من «الأفضل» ذهابه، لأنه «متردد» وكان موقفه بالنسبة إلى تقرير غولدستون «متأرجحا»، و«إذا جاء آخر فقد يكون أفضل». لا أحد يعرف، هل وصل الفلسطينيون إلى هذه المرحلة بسبب عناد وابتزاز إسرائيل، أم بسبب المرونة الفلسطينية (السلطة) الزائدة عن الحد، إذ ظل مسؤولو السلطة يوافقون ويقتنعون حتى الوصول إلى تقرير غولدستون (تأجيل مناقشته ثم العودة عن القرار) الذي أيقظ أبو مازن وفريقه ليتساءلوا من خلال تصريحات أخيرة، إلى أين هم ذاهبون؟ فوجئ الكثير من المراقبين الغربيين بالذات، بالطلب الفلسطيني بتأجيل مناقشة التقرير، إذ من كان سيعترض على أبو مازن لأنه يدافع عبر التقرير، عن حقوق الشعب الفلسطيني؟

مصدر عربي مطلع قال لي، كان على أبو مازن أن يفهم توجهات إدارة الرئيس باراك أوباما، تماما كما فهمها الأوروبيون (بريطانيا وفرنسا). الدولتان وافقتا على مناقشة التقرير رغم عدم التصويت. وهما دعمتا موقف الإدارة الأميركية، التي تريد بطريقتها الضغط على إسرائيل حتى لو استعملت مندوبتها حق النقض. هل اعتقد أبو مازن بأنه لو لم يطلب تأجيل مناقشة التقرير، ان أوباما كان سيغضب عليه؟

عندما طلب أبو مازن تأجيل مناقشة التقرير، صدم المصريين، الذين يقال إنهم مارسوا ضغطا شديدا لمناقشة التقرير، يدفعهم إلى ذلك الرد على إسرائيل لوقوفها في وجه وصول وزير الثقافة المصري فاروق حسني إلى منصب مدير «الاونسكو». وكما فوجئت مصر بالقرار، فوجئ كذلك رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض وحتى ياسر عبد ربه المستشار السياسي لمحمود عباس.

بعد ذلك، جرى الحديث الفلسطيني (مكتب الرئاسة) عن تعرض أبو مازن لضغوط أميركية وإسرائيلية. في الحقيقة كانت الضغوط إسرائيلية، إذ لم يلحظ أن أي مسؤول أميركي رفع سماعة الهاتف للحديث مع أبو مازن، الضغوط جاءت من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان يردد بأنه لن يسمح بأن تمثُل تسيبي ليفني (وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة) أو ايهود باراك وزير الدفاع أو ايهود اولمرت رئيس الوزراء السابق أمام المحكمة الدولية، رغم أن الأخير أُمطر بالملاحقات القضائية عندما بدأ يلمح إلى ضرورة التخلي عن القدس العربية، ووقف الاستيطان، أثناء وجوده في السلطة. تهديد نتنياهو بأنه لن يسمح لهؤلاء بالوقوف أمام المحكمة التي دعا إليها تقرير غولدستون يعود لإدراكه بأن هذا التقرير الدولي والرسمي هو الذي سيوصل الإسرائيليين إلى المحكمة ويجعلهم ملاحقين دوليا.

ضغوط نتنياهو القوية على أبو مازن، دفعت برئيس السلطة إلى ارتكاب الخطأ الذي قصم ظهر السلطة وقصم ظهره.

منذ البداية اختار أبو مازن طريق السلام بمفهومه، واستمر الفلسطينيون والإسرائيليون يتفاوضون على التفاوض، حتى الوصول إلى مرحلة تداعيات تقرير غولدستون التي كشفت لأبو مازن بأن لا شيء هناك. نتنياهو لم يوقف توسيع المستوطنات، وطرد الناس من منازلهم في القدس مستمر، وغزة لا تزال محاصرة. هناك «فحش» غير مفهوم في التصرفات الإسرائيلية.

ثم إن الضربة القاضية التي تلقاها أبو مازن جاءت من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي أثنت على «الضبط» الذي يقوم به نتنياهو في ما يخص توسيع المستوطنات. هي بذلك، أي بعدم رؤيتها للحقيقة، ربما لأن سمعتها مستمدة من كونها زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون، وليس لأنها ضليعة في شؤون السياسة الخارجية كما يبدو، ضربت أبو مازن والعرب. العرب لم يشتروا «المناشدات» الأميركية، ونتذكر عندما رفض وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل اقتراحات الإدارة الأميركية بإعطاء «حوافز» لإسرائيل كي تُقدم على تجميد توسيع المستوطنات، لكن أبو مازن تلقى الضربة ليكتشف بأن دوره انتهى. مع رحيل «وهم» المفاوضات، رحلت فكرة «السلام الاقتصادي» وهي فكرة طرحها توني بلير المندوب الدولي للشرق الأوسط، وهدفت إلى إشعار الفلسطينيين بعدم ضرورة المطالبة بدولة مستقلة، «فالدولة الاقتصادية قائمة». إضافة إلى ذلك، قال بلير للسفراء العرب عندما التقى بهم في لندن مؤخرا، أن ينسوا حق العودة، «هناك فقط تعويضات»؟

حول هذه النقطة بالذات، يمكن لأي طرف قول ما يريد، إنما القانون هو القانون، وهناك قانون دولي عن حق العودة لا يمكن لأحد التلاعب به، والشطارة الآن أن يتمسك الفلسطينيون بحق العودة. مشكلة أبو مازن أنه مع انتهاء هذه الأوهام انتهى دوره، ولا يوجد دور بديل يقوم به. ثم إنه لم يعتد على الضغوط، وكما قال لي فلسطيني مطلع: «تدلل» أبو مازن مذ كان رئيسا للوزراء، وشعر لأول مرة بقوة الضغوط بعد تداعيات تقرير غولدستون ليكتشف أنه لا يتحمل. قد يكون رجلا مناسبا لدولة جاهزة، إنما ليس لمشروع وطني، رغم نياته الحسنة ورغم أنه تحمل من حماس ما لا يحتمل.

مع هذا التخبط الفلسطيني طرح فلسطينيو السلطة فكرة إقامة دولة فلسطينية من جانب واحد، لكن سلام فياض رجل تكنوقراط، وليس سياسيا، كما أنه ليست لديه شعبية في فلسطين. والسؤال هو: هل يتحمل الأميركيون وحتى الإسرائيليون شخصا آخر شبيها بأبو مازن؟

أميركا لن تسمح لمجلس الأمن بأن يقبل بالدولة الفلسطينية، فهل لدى السلطة خطة «ب» مثلا أم أنها في ورطة كبرى كالظاهر من التخبط.

الشعور الفلسطيني العام، أن أبو مازن يرغب في الرحيل، لذلك برزت عدة أسماء لخلافته، إضافة إلى فياض، هناك ناصر القدوة، مروان برغوثي (إذا أطلق سراحه)، محمد دحلان (ورقته محروقة بسبب غزة). إذا استثنينا الإجراءات القانونية والدستورية، واعتمدنا فقط التفكير بالبديل، فالمتفوق بين هذه الأسماء هو ناصر القدوة: كلامه موزون، سياسيا مقنع، لا ممسك على تصريحاته، لديه مصداقية، ويمتلك لغة دبلوماسية ثم إنه قريب لياسر عرفات. وفي غياب مروان برغوثي الذي يحبه الشارع الفلسطيني، ووجود فياض الذي ارتبط اسمه بأبو مازن ثم إنه ليس من فتح، هل يكون ناصر القدوة هو المقبول من كل طرف، خصوصا أن لديه خبرة في الأمم المتحدة ويعرف لعبة الأمم؟

هذا يعتمد على المرحلة الثانية، السلطة الآن تسير على «بيض» لا تتحمل ارتكاب أخطاء إضافية، إنما المهم أنه بعد تقرير غولدستون، برز خط أحمر لا يمكن لأي مسؤول فلسطيني تجاوزه. فإذا لم يكن هناك شيء في اليد مضمون، لن يجرؤ أحد على الإقدام على «المرونة».

عندما أجل أبو مازن مناقشة تقرير غولدستون، صدر تعليق في إحدى الصحف الإسرائيلية بعنوان: «أطلقتم النار عليه وأرديتموه قتيلا» وكان المقصود أبو مازن. قد يكون هذا ما أراده فعلا نتنياهو الذي لم يدرك كما يبدو أن العالم تغير. ارون ميللر الذي شارك في مفاوضات الشرق الأوسط زمن بيل كلينتون وياسر عرفات، قال مؤخرا: لم تعد عملية السلام أولوية لدى الإدارة الأميركية، وليس أكيدا ما هي الاستراتيجية المقبلة. وحسب تفسير مصدر فلسطيني، فإن السبب هو وجود نتنياهو، عندما التقى يوم الاثنين في التاسع من الشهر الجاري أوباما بنتنياهو، لم يسمح البيت الأبيض للأخير بعقد مؤتمر صحافي، وأفرج عن صورة اللقاء بعد أربعة أيام، وتردد أن نتنياهو خرج وشفتاه ترتجفان ليقول إنهما تحدثا أغلب الوقت عن إيران.

هذا لم يصدقه كثيرون، إذ إن أميركا صارت عندما تريد بحث المسألة الإيرانية تتحدث مع روسيا أو الصين وليس مع إسرائيل. ربما وصل أوباما إلى قناعة، وهذا منذ حملته الانتخابية، بأن نتنياهو ليس الرجل القادر على التوصل إلى اتفاقية سلام، فطبعه عنصري.

هناك شعور في إسرائيل بأنه إذا ما انتهت عملية السلام فقد ينسحب ايهود باراك من الحكومة. وموقف أبو مازن الذي قرر عدم الاستمرار بلعبة الأوهام قد يدفع إلى مرحلة جمود تدفع بباراك إلى الاستقالة، خصوصا إذا شعر بأن وقته جاء، لأنه هو الآخر يستعمله نتنياهو كورقة توت لعنصريته.

قد يستيقظ الإسرائيليون بعد هذه الصدمة الفلسطينية التي أكدت عدم وجود مفاوضات أصلا، ليدركوا أن نتنياهو يدفع بإسرائيل إلى الانتحار، هو سعيد بأنه لم يجمد المستوطنات، وتحدى الإدارة الأميركية، لكنه يتجه بإسرائيل إلى الدولة الواحدة وهذا يعني طراز جنوب أفريقيا، والكل يعرف نهاية تلك الدولة، إذ لم يكن من مستقبل للبيض فيها.

ليس نتنياهو بوضع أفضل من وضع أبو مازن، أما هيلاري كلينتون فإنها كانت تثني على «ضبط» المستوطنات، طالما أن أبو مازن كان موجودا وفاعلا. فماذا ستقول الآن؟