تحذيرات من الوسط الغاضب

TT

كانت انتخابات نيو جيرسي تقريعا للجناح اليميني، ورسالة تحذيرية للديمقراطيين.

كما ذكرت أيضا أن الرئيس أوباما بحاجة إلى تعزيز مؤسسته والبحث عن وسائل لجعل أميركا تشعر بالأمل مرة أخرى.

كان الخاسر الأكبر في تلك الليلة الآلة السياسية المحافظة الوطنية المتمثلة في المحافظين الأثرياء المدافعين عن خفض الضرائب، والمؤسسة التي يروج لها بالين وليمبو. لقد نجحت المؤسسة اليمينية في تنحية الجمهوريين في سباق الترشح لمجلس نواب ولاية نيويورك، وفرضوا مرشحهم الذي لا يعيش حتى في المقاطعة، وتركوهم في مأزق كبير.

ولكي ندرك أهمية هزيمة المحافظ دوغ هوفمان، من قبل الديمقراطي بيل أوينز، في الدائرة الثالثة والعشرين من نيويورك، يجب علينا أن ندرس الأخبار التي كانت ستثار لو أن هوفمان قد نجح.

لو توافق نجاح هوفمان مع النجاحات الجمهورية في انتخابات حكام الولايات في نيو جيرسي، وفيرجينيا، لاحتفى الجمهوريون بذلك على أنه بداية لثورة محافظية جديدة، ومنهج للمعتدلين الجمهوريين، كما هو الحال بالنسبة لديمقراطيي أوباما، وإشارة إلى أن الحكومة الكبيرة التي تتبنى خطة الرعاية الصحية التي قدمها الديمقراطيون تعاني من تراجع سريع.

لكن الناخبين في المقاطعة (واحدة من الأماكن التي حافظت على ولائها الجمهوري منذ عهد إبراهام لنكولن) بإظهار نوع مختلف من التمرد. فقد أبدوا غضبهم من قيام كبار أثرياء المحافظين وشخصيات المحافظين اللامعة مثل بالين وغلين بيك، تخلوا عن عضوية اللجنة التشريعية ديدي سكوتزافافا ـ المعروفة بأفكارها المعتدلة، التي اختيرت محليا لتكون مرشحة جمهورية ـ ليساندوا أوينز.

كان المرشح الديمقراطي المرشح الأفضل بالنسبة لمؤيدي الوسط. وقد كان حتى وقت قريب مستقلا سياسيا وقدم نفسه على أنه لا يميل إلى أيديولوجية سياسية. وقد دعمته سكوتزافافا وشكلا جبهة موحدة معتدلة. ودعا جون أونيل من اللجنة الديمقراطية لولاية نيويورك انتصار أوينز «بصفعة ضد الأسلوب الذي عاملوا به صديقنا وجارنا».

ويسلط انتصار أوينز ضوءا من نوع مختلف على الانتصارات الجمهورية لكريس كريستي في نيو جيرسي وبوب ماكدونيل في فيرجينيا. فقد فاز كلاهما بمنصب الحاكم عبر التركيز على الحاجة إلى الفوز بأصوات الناخبين غير المنحازين من المعتدلين والمستقلين وسكان الضواحي، وهو ما دفع ديفيد أكسيلورد، مستشار أوباما تعليقا على ماكدونيل «إنه لم يقدم نفسه كجمهوري سارة بالين، ولكن كوسطي مثل أوباما». غير أن وجهة نظره كانت صائبة. كان ماكدونيل يعلم كيف يؤثر على الناخبين. وعلى المنوال ذاته سار كريستي، الذي اعتمد على الاستياء الشديد تجاه الحاكم كورزاين، وقد نجح كريستي في عكس استراتيجية «ترك القاعدة والفوز بالوسط، التي انتهجها الديمقراطيون خلال عام 2006 و2008 ونجح كريستي في الفوز بفارق ضخم في المقاطعات الجمهورية كما فاز أيضا بأصوات الناخبين الديمقراطيين السابقين والغاضبين الذين لا يحملون أيديولوجية محددة».

سيحاول الديمقراطيون إبراز نسب التأييد الكبيرة للرئيس أوباما في نيو جيرسي كجزء من حججهم بأن تلك المنافسات محلية. لكن الاستياء في نيو جيرسي وفيرجينيا ـ وهامش الفوز البسيط لدى إعادة انتخاب عمدة نيويورك مايك بلومبيرغ، برغم الرقم القياسي في الإنفاق على الحملة الانتخابية ـ يجب أن يثير قلق ذوي المناصب، خاصة الحكام الساعين إلى إعادة انتخابهم العام القادم. فبعد ظهور قوي خلال الانتخابات القوية السابقة بدأ الديمقراطيون يشكلون قسما كبيرا من حكام الولايات والمناصب الرفيعة الأخرى في البلاد.

وقال السيناتور فرانك لوتنبيرغ خلال كلمة كورزاين للإقرار بهزيمته، إنه يرى جماهير الناخبين في حالة مزاجية سيئة فقال: «هناك شيئان يحدثان الآن، أولهما الخوف والآخر هو العقاب. فالناخبون خائفون على أنفسهم وعائلاتهم ويرغبون معاقبة أيا كان من وضعهم في هذا المأزق». وما أكد عليه لوتنبيرغ، هو ضرورة وجود روح تختلف عن الثقة المبشرة التي أكدها أوباما قبل عام. فوكلاء التغيير الذين اعتمد عليهم أوباما خاصة من الشباب كانوا غائبين إلى حد كبير عن صناديق الاقتراع هذا الأسبوع. وفي فيرجينيا التي فاز بها أوباما بفارق كبير العام الماضي كانت غالبية من خرجوا للتصويت يوم الثلاثاء قالوا إنهم دعموا جون ماكين. أولئك الناخبون الجمهوريون هم من أسهموا في تحقيق نجاح بارز في انتخابات فرجينيا.

سيكون الديمقراطيون حمقى إذا ما تجاهلوا الحقيقة التي كشف عنها الثلاثاء الماضي. إنها ليست عودة للجناح اليميني الذي ينبغي أن يقلق حزبه. وبالفعل فكلما قوي دور اليمين في تشكيل الرسالة الجمهورية، كلما زاد ذلك من صعوبة اتجاه الناخبين غير الحزبيين ناحية الجمهوريين للتعبير عن غضبهم. وباتت الأوضاع صعبة في وجه الحركة التقدمية الشاملة التي وعد أوباما بتشكيلها.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»