فرق الـ«نص فرحة»!

TT

فريقا الجزائر ومصر أصنفهما ضمن ما أسميه بفرق «النص فرحة»، يأخذوننا معهم ويرفعون سقف التوقعات وفي النهاية يجرجروننا إلى مستنقع الإحباطات، فرغم أنني ككل المصريين فرحت بفوز مصر على الجزائر 2 ـ 0 في القاهرة، وأكتب هذا المقال قبل لقائهما في السودان، إلا أنني أعرف، وكذلك كل من شاهدوا المباراة التي اتضح فيها مستوى الفريقين، بأن أيا من الفريقين لن يصل إلى دور الـ 16 في نهائيات كأس العالم بجنوب أفريقيا. إذن سواء فاز هذا الفريق أو ذاك، وسواء فرح المصريون أو فرح الجزائريون، فإنها «نص» فرحة لأنها مجرد رحلة مع فريق سوف يفوز في مباراة أو مباراتين والسلام. الكرة ليست مجرد رياضة للتسلية كما رأينا في حروب أميركا اللاتينية حول مباريات كرة القدم، والمثال الصارخ على هذا هو الحرب التي دارت بين هندوراس والسلفادور في تصفيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 1970. في مباراة الذهاب فازت هندوراس على ملعبها واعتدت جماهير الهندوراس على جماهير السلفادور، فقدمت السلفادور شكوى للأمم المتحدة في حينها. وكان 14 يوليو 1969 موعدا فاصلا للمباراة بينهما، كما هو الحال اليوم بالنسبة لفريقي مصر والجزائر، فازت فيه السلفادور وتأهلت. ومع نهاية اللقاء كانت الدولتان قد نشرتا قواتهما على الحدود، ويومها دخلت قوات السلفادور إلى مسافة 40 كم في أراضي هندوراس، بعدها ضربت طائرات هندوراس مدينة سان سلفادور بالقنابل، واستمرت الحرب لأسابيع بين الدولتين مما أدى إلى خسائر في الأرواح بلغت الآلاف. النقطة الأساسية هنا هي أن كرة القدم «مش لعب وبس»، فأحيانا الأمور «تقلب بجد». وها هو مثال السلفادور وهندوراس أمامكم للعظة والعبرة.

دخلت السلفادور وهندوراس في حرب حول مباراة ولا يذكر العالم أن السلفادور أو الهندوراس قد فازتا بكأس العالم، وبهذا يكون البلدان قد أشعلا الدنيا حريقا من أجل لا شيء. ولا نحتاج نحن أيضا إلى عراف لكي يقول لنا إنه لا فريق مصر بصورته الحالية ولا فريق الجزائر قادر على الوصول إلى الدور الثاني في تصفيات جنوب أفريقيا، إذن لماذا كل هذه الضجة المصحوبة بالغضب؟

ليس عيبا أن نقول إن هناك من يستخدم كرة القدم لخلق روح وطنية كانت قد ذابت في البحر الهادر للإسلام السياسي الذي لا يعترف بالدولة الوطنية، أو في الطائفية التي تحاول تفتيت ما تبقى لدينا من دول. إذا كان هذا هو الهدف من كل هذا الحشد والشحن المستمرين، فهذا هدف نبيل. ولكن المواطنة وروح الوطنية لا تبنيهما فرق كرة القدم وإن ساهمت فيها، فالكرة حدث موسمي وبناء الدول وتعظيم فكرة الوطن على حساب فكرة الأمة يتطلب جهودا أكبر من مباراة كرة قدم وأكبر من اختلاق عدو خارجي لإقناع الداخل بأنه ينتمي إلى وطن واحد.

تعد مصر من أقدم الدول العربية ككيان سياسي، ولكن ما نراه في مصر هو هوية مصرية لا مواطنة، الإحساس بالهوية شيء والانتماء إلى الوطن شيء آخر مختلف تماما. فإذا كان هذا هو الحال في مصر تلك الدولة القديمة، فالشيء نفسه وربما بصورة أوضح تراه في الجزائر.

المواجهة بين الفريقين كان من الواجب أن تكون كروية مصحوبة بخفض سقف التوقعات حتى لا نغرق في المبالغة، فكل طموحنا ضمن مستويات التدريب واللياقة والمهارة الكروية لفرقنا مقارنة بفرق العالم ذات الحرفية العالية، كل طموحنا هو أن تصل بعض الفرق العربية إلى كأس العالم وتؤدي أداء مشرفا في مباراة أو اثنتين، كما فعلت المغرب مرة والسعودية مرة وكذلك تونس والجزائر، فنترك انطباعا لدى العالم بأننا قادمون يوما ما عندما نكون جاهزين، لكن تصرفاتنا هذه وأداءنا في الملاعب لا يبشران بخير ولا يخيفان أحدا. فلا داعي لأن نمزق الجسد السياسي العربي أكثر مما هو ممزق من أجل فرق الـ«نص فرحة».