شيء مخجل

TT

دول الخليج العربي حالها الاقتصادي والمالي يدعو إلى الوقوف برهة والتأمل قليلا وبعمق في ما يحدث فيها. فالكم الهائل من المشروعات العملاقة (التي في معظمها انطلقت بدعم وتمويل حكومي كبير) التي أعلن عنها، فتح شهية المقاولين والموردين للإقدام عليها بعزيمة وثقة، وأعدوا العدة للفوز بالصفقات والاستثمار المناسب لها. وكما هو معلوم وليس بسر أن عجلة الاقتصاد التنموي تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية: أولا الدعم الرسمي الحكومي، ثانيا القطاع الخاص والحراك الناتج منه، وثالثا التمويل المصرفي. والآن يبدو جليا أن في البند الثالث من المحاور الثلاثة خللا كبيرا، فالبنوك قررت إغلاق «صنابير» التمويل تماما حتى أصابت المشروعات والمقاولات بالجفاف التام والشلل الكامل.

ودول الخليج نجت اقتصادياتها بالمجمل (باستثناء دبي) من الأضرار الجسيمة التي تسببت فيها الأزمة الاقتصادية العالمية واستمرت أسعار البترول على وتيرتها المتصاعدة ولم يتأثر حجم الإنتاج كثيرا، وعليه فإن المدخولات النفطية مستمرة والبنوك المركزية لديها مخزون مهم جدا ومرتفع من العملات نتاج هذه العوائد، وهي تطلب باستمرار من البنوك ضرورة تصريف هذه الأموال بإقراض المشروعات والمقاولين ولكن لا حياة لمن تنادي، وتأثر قطاع المقاولات وطال هذا التأثير قطاعات أخرى وبشكل كبير. وجاءت شركات أخرى من الخارج ومعها قدرتها التمويلية وحازت مشروعات كبرى على حساب شركات محلية واعدة. وعندما نتحدث مع المصرفيين يأتيك الجواب «الممل» وهو «لقد وصلنا إلى السقف المسموح به بالنسبة إلى الحدود الائتمانية مع الشركات»، وطبعا هذه مقولة باطلة جدا لأن ما يجب التركيز عليه هو «عدد» الشركات التي تم إقراضها وليست المبالغ المقدمة لعدد «محدود» من الشركات، فهنا تكمن الخطورة عندما لا تعمم فرص المنافسة بشكل أفقي مفيد لأكبر عدد ممكن من الشركات والمؤسسات المحتاجة بدلا من حصرها بشكل مكرر في نفس الأنشطة ونفس المؤسسات والأشخاص. القطاع المصرفي بحاجة إلى التفكيك لكسر آلية اتخاذ القرار فيه لتعكس مصلحة المستثمر والمالك لأنها اليوم لا تعكس ذلك. القطاع البنكي بحاجة لأن يكون أكثر انفتاحا وأكثر شفافية في آلية اتخاذ القرار الذي لا تزال تطغى عليه عناصر المحسوبية والمصالح الخاصة وتبقى القرارات «الخاطئة» دون محاسبة ولا تحمل المسؤولية لأحد وتبقى المشكلة أو المشكلات دون أن يحاسَب عليها أحد. ولا تزال مشكلة تضارب المصالح وازدواجيات الملكيات كمراكز قوى تؤثر على سوية الإدارة وعدالة المصلحة تشكل عقبة من أن يكون البنك شفافا وسويا. القطاع البنكي خذل المتأملين في أن تكون هذه المرحلة طفرة جديدة ويتعذر القائمون على القطاع البنكي بأعذار واهية وأسباب غير منطقية و«مشكلات» كان لهم دور في تفاقمها وتطور أمورها دون أن تقرع أجراس الإنذار ودون أن يكون هناك رقيب أو مشرف ليضع حدا للمشاكل التي حدثت والتي عطلت المشروعات والطموحات وبات الجميع يضرب كفا بكف متحسرا على القطاع المصرفي الذي تحول إلى واجهة تفرح بإصدار بطاقات اعتماد وتعجز عن الإقراض! شيء مخجل!

[email protected]