وحيد القرن في كابل

TT

تجسد الممثلة كيت بلانشيت، التي لعبت دور الملكة إليزابيث الأولى، صورة لشخص أقل ملكية ـ شخصية بلانش دو بوا في رائعة تينسي وليامز «عربة اسمها اللذة». ولو أن مسؤولي إدارة أوباما شاهدوها لدى صياغتهم للسياسة الخاصة بأفغانستان، لكانوا قد رددوا العبارة الشهيرة لدو بوا «لقد اعتمدت دائما على عطف الغرباء».

تعتمد المهمة الأميركية ـ أو أيا كان اسمها ـ في هذه الدولة شبه المحطمة بصورة جوهرية على الكفاءة واجتثاث الفساد بين الغرباء الذين يحكمون أفغانستان والذين قد لا يتعدى نطاق سلطاتهم خارج كابل. أحد هؤلاء الغرباء هو الرئيس الأفغاني.

في التاسع والعشرين من يناير (كانون الثاني)، في أعقاب 114 يوما تحديدا من التدخل الأميركي في أفغانستان، قدم الرئيس جورج بوش خلال خطاب حالة الاتحاد أمام الجلسة المشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب ومشاهدي التلفزيون الأميركي في معرض مجلس النواب. كان الرئيس المؤقت لأفغانستان المحررة حميد كرزاي. ولم يعد كرزاي رئيسا مؤقتا بل فاز ـ أو على الأقل ضمن الفوز ـ بخمس سنوات أخرى في الحكم. فقد قرر عبد الله عبد الله ـ الذي فاز عليه كرزاي في انتخابات 20 أغسطس (آب) التي شابها التزوير من كل الأوجه ـ تزوير بطاقات الاقتراع ولجان انتخابية زائفة كما أن ثلث أصوات كرزاي مزورة ـ عدم المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات لأنها ستجري مرة أخرى تحت إشراف أولئك الذين أشرفوا عليها في الجولة الأولى. وعندما تواردت الأنباء بعزم عبد الله عبد الله الانسحاب كان رد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بلا معنى، فقالت: «نحن نرى ذلك يحدث في بلادنا عندما يفكر أحد المرشحين في الانسحاب لبعض الأسباب، ولا أعتقد أن لهذا صلة بشرعية الانتخابات». إذن فأفغانستان مثل الولايات المتحدة عندما يقرر المرشحون عدم خوض الانتخابات.

وبعد سماع قرار عبد الله الانسحاب قالت كلينتون «لا أعتقد أن ذلك سيؤثر على الشرعية. فعندما قَبل الرئيس كرزاي إعادة الانتخابات من دون معرفة النتائج التي قد تترتب عليها، فقد منحه ذلك الشرعية منذ تلك اللحظة فصاعدا». إذن فالحكومة الأميركية تختار الاعتقاد بأن كرزاي حاز على الشرعية لأنه قبل جولة ثانية من الانتخابات يسيطر عليها مساعدوه. تلك السفسطة أدلة صادمة على تفكير إدارة أوباما في الوقت الذي تبحث فيه طلب الجيش زيادة كبيرة في عدد القوات الأميركية في أعقاب ثمانية أشهر من الزيادة الأخيرة.

وما هي أسباب تلك الصدمة؟ في مارس (آذار) رفع الرئيس أوباما من عدد القوات في أفغانستان. وقال في سبتمبر (أيلول) أمرت بإرسال 21,000 جندي إضافي إلى أفغانستان لتأمين الانتخابات لأنني أعتقد أن الانتخابات مهمة حقا.

وخلال برنامج «هذا الأسبوع» سئل فاليري جاريت أحد مستشاري الرئيس عما إذا كان تخريب كرزاي للعملية الانتخابية التي كان يفترض أن تكسبه الشرعية «أن تلقي بظلالها على الرئيس كرزاي وتصعب من مهمة تنفيذ استراتيجية الرئيس».

ورد جاريت: «لا نعتقد أنها ستضيف تعقيدات للاستراتيجية، فسنعمل مع قائد الحكومة الأفغانية ونأمل في أن يحسن ذلك من أوضاع الشعب الأفغاني ويساعدنا أيضا في محاولتنا إنهاء الحرب هناك».

ما هو عنصر الأمل في رد جاريت؟ الحديث بشأن وقاحة الأمل. ربما أشار جاريت إلى هدف استراتيجية الرئيس العمل على إنهاء الحرب، فباراك أوباما لا يود أن يكون رئيس الحرب.

وبالفعل فتكلفة الحرب الأميركية أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدولة. والنجاح الأميركي يعتمد على إدراك الأفغان شرعية الحكومة المركزية والتي لن يتعاملوا معها لخمس سنوات على الأقل. والأميركيون الذين يقودهم القائد الأعلى الذي لا يرغب في الحرب، لن يتحملوا سنوات من الخسائر والنفقات الأخرى اللازمة لتشكيل قوات أمن أفغانية فاعلة يديرها قيادة نظام فاسد.

في الرابع والعشرين من يوليو (تموز) 2008 شدد أوباما في برلين على الحاجة إلى «هزيمة طلبان» غير أنه تحدث بعد ذلك «كمواطن عالمي» وليس كرئيس. والآن يتحدث الرئيس بشأن إعادة التفكير في بعض الأفكار التي تضمنتها خطاباته المنمقة التي ساعدته في الوصول إلى الرئاسة. إنه بذلك يتجاهل أولئك الذين لا يستطيعون التمييز بين التفكير والتردد.

عندما نظر الرئيس وودرو ويلسون بانتقاد إلى بعض الدول الواقعة إلى جنوب الولايات المتحدة تعهد «بأن يعلمهم كيف يختارون رجلا جيدا». ومهما كانت الاستراتيجية التي ينتهجها الرئيس أوباما فإن نجاحها لا يمكن أن يعتمد على تعليم أميركا الأفغان للقيام بذلك. وإذا ما كان الرئيس يبحث عن استراتيجية تعتمد على الشرعية في كابل فإنه بذلك يبحث عن وحيد قرن.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»