ذكر النمل يتحدث

TT

هل تصدقونني إذا قلت إن أول نادٍ ثقافي فيه (جد ولعب) في الزمن القديم قد أنشئ في مكة؟! أرجوكم صدقوني لأنني لا أنطق عن المزاج والعبث، والدليل على ذلك ما سجله الأصفهاني، منذما يزيد عن ثلاثة عشر قرنا أنشئ في مكة نادٍ يختلف فيه الرواد، فيصيبون فيه علما ومعرفة، كما يرفهون فيه عن أنفسهم ببعض اللعب التي فيها رياضة ذهنية، وقال:

اتخذ عبد الحكيم بن عمرو بن صفوان الجمحي بيتا في مكة، وجعل فيه (شطرنجات) ونردات، ودفاتر من كل علم، وجعل في الجدار أوتادا، فمن جاء علق ثيابه على وتد منها، ثم جر دفترا وكتب أو قرأ، وأخذ بعضهم يلعب، وبعضهم يتجاذب أطراف الحديث والطرائف، وتدار على الجميع أكواب الماء الزلال، وقبل أن ينفض السامر يلقي البعض أشعارهم، ثم يأتي ضارب الدف والعازف والمغنّي ليختموها ختام مسك، ثم يذهب كل إلى حال سبيله، (ويا دار ما دخلك شر) ـ والكلمة الأخيرة هي من عندي ـ

لا شك أنني لو حظيت بذلك الزمان لكنت من أول رواد ذلك النادي، وللأسف أن الأصفهاني ـ الله يذكره بالخير ـ لم يقل لنا: هل ذلك النادي كان مختلطا أم أنه كان مقتصرا على طوال الشوارب واللحى؟! وذلك لكي أحدد انتمائي ورغبتي فقط لا غير.

* * *

من أكثر الناس الذين قرأت عنهم أن لهم مشاكل مع النوم هو أستاذنا أنيس منصور بوأه الله سريرا عريضا طويلا هزازا مريحا لينام فيه نومة شبه أبدية على كيف كيفه.

والحمد لله أن لا مشكلة عندي أنا شخصيا من هذه الناحية، فقد يغلبني النعاس أحيانا فأنام وأنا واقف مثلما ينام الحصان دون أن أسقط، وقد أنام ـ بدون مبالغة ـ وأنا أسبح دون أن أغرق، وأنام دائما في سريري دون أن أحلم بأي منغصات، فأحلامي كلها ولله الحمد ورديّة ـ وبما أننا في صدد النوم والأحلام، فهل تصدقون أن بعض الحيوانات والطيور والحشرات تنام وتحلم كذلك؟! طبعا أنتم تصدقون مثلما أنا أصدق، وتعرفون مثلما أنا أعرف، ولكن لا بأس أن أذكر لكم أن نوم الطيور يختلف بعضه عن بعض، فهناك من يكون نومها خفيفا إلى درجة أنها تستيقظ من نومها ما لا يقل عن 16 مرة في الليلة الواحدة، وتهب غريزيا قبل أن يداهمها الخطر، وبعضها نومها مثل نوم (ناقة صالح)، إلى درجة أنك إذا استطعت أن تمسكها وهي نائمة فإنك تستطيع أن تنقلها بيديك من مكان إلى آخر دون أن تشعر أو تستيقظ، وقد تذبحها وهي نائمة.

وأحلى نومة في الكائنات هي نومة النملة ـ وهي يا سبحان الله ـ تشبه نومتي تماما الخالق الناطق، ولا أستبعد إطلاقا أن والدتي رحمها الله قد توحمت على نملة.

فالنملة يا سادتي حين تنام تستلقي على جنبها ثم تقرب سيقانها بحيث تلامس جسمها، وهي حين تستيقظ (تتمطّى) وتتثاءب قبل أن تقف ثم تسير وهي تترنح ذاهبة إلى (التواليت).

لا شك أن الله تعالى لو لم يخلقني إنسانا شبه سوي، فمن المحتمل أنه كان سيخلقني ذكرا من ذكور النمل التي (تعقص) بعض الأماكن، من بعض الكائنات.