مصر والجزائر.. ما هذا؟

TT

كل من يتابع تداعيات مباراة كرة القدم التأهيلية لكأس العالم بين مصر والجزائر والتي أقيمت في السودان، لا يملك إلا أن يصاب بالذهول الشديد، بل الحمد لله أن ليس بين مصر والجزائر حدود برية، وإلا لربما حدث ما لا يحمد عقباه، لأن ما يحدث اليوم يوحي بأن الأمور كانت ستسير إلى منحى مأساوي آخر.

صحيح أن البعض منا ذكر، وتذكر، بأن هناك حروباً قد نشبت بين دول بسبب كرة القدم، لكننا نتناسى أن هناك ما يسمى بدبلوماسية كرة القدم، بل وهناك دبلوماسية المصارعة الحرة، والتي استخدمت كنوع من التقارب السياسي بين دول عاشت في خصومة وقطيعة طويلة.

فكيف تتحول مباراة كرة قدم إلى هذا المستوى من الانحدار الأخلاقي، وهذا الشحن المفزع؟ البعض في العالم العربي يقول إننا نسينا فلسطين، ونسينا مآسينا وانشغلنا في مباراة كرة قدم، وهذا تسطيح أيضاً؛ فكرة القدم هي للإثارة والتشويق، مثل ما أن لها أهدافاً أخرى، وتستحق المتابعة والاهتمام دون شك، لكن يجب ألا تصل الأمور إلى هذا الحد من الحدة والغليان، والاعتداءات، وإثارة الشغب، واستدعاء السفراء، وكل هذا التشنج؛ فكم كان لافتاً أيضاً حجم رجال القوات المسلحة السودانية في ملعب المباراة وكأنهم على جبهة قتال وليس في ملعب كرة قدم.

ففي الوقت الذي أصيب فيه العالم العربي بالذهول، وانشغل الإعلام بما أصاب العرب بسبب مباراة كرة قدم، كانت هناك مباراة أخرى أقيمت بين فرنسا وآيرلندا، وتأهل بها الفرنسيون بهدف غير صحيح، حيث قام اللاعب باستخدام يده في تهيئة الكرة التي صنعت الهدف الذي أهل منتخب بلاده لكأس العالم. وهو أمر لم تثبته الكاميرات وحسب، بل إن اللاعب الفرنسي تييري هنري اعترف بأنه استخدم يده، فما الذي حدث؟ لا شيء مما يحدث اليوم بعد مباراة مصر والجزائر، وحتى الفيفا قرر أنه لن يعيد المباراة.

إذاً المسألة أعقد، وأبعد من كرة قدم بكل تأكيد، فما نراه من احتقان وأعمال عنف اليوم أسبابه متعددة، ومنها إعلام تحريضي، مرئي ومكتوب، لا يتسم بأي مسؤولية أو مهنية، من كلا البلدين، وبعض المسؤولين الرياضيين، من كلا البلدين أيضاً، أبعد ما يكونون عن الأخلاق الرياضية، ومفهوم أن الفوز والخسارة هما أساس كرة القدم.

وهناك أمر آخر مهم، وهو أن البعض في عالمنا العربي يريد اختزال كل مشاكله اليومية، الصغير منها والكبير، الأساسي والهامشي، في الفوز بنقاط مباراة كرة قدم، فمن يفوز يعتقد أن الفوز في مباراة واحدة، أو بطولة، قد حل كل مشاكله، ومن يخسر يجد أن أبواب الجحيم قد فتحت أمامه من كل أطياف المجتمع، لأنها لحظة تصفية الحساب، والتصيد السياسي، وهذا أمر مؤسف، ومزعج.

في مباراة مصر والجزائر لم ينتهِ الأمر عند حد البلدين فقط، بل بلغ الأمر أن اجتمع مجلس الوزراء السوداني برئاسة الرئيس السوداني ليشيد بخطة تنظيم المباراة.. وسامحونا إن قسونا بعض الشيء، ولكن ماذا عن خطة تجنب تقسيم السودان؟

ولذا نقول انظروا إلى أين وصلت بنا الأمور.

[email protected]