الفائز الكبير

TT

يجب أن ننتبه إلى أن اللوحة، للمصادفة، أفريقية كلها! من الشمال إلى الجنوب: الجزائر، مصر، السودان، ومن ثم جنوب أفريقيا. والأفارقة هنا مضحكون، إلا مواطني مانديللا. والفائز في مباراة الخرطوم، ليس الجزائر ولا مصر، ولا طبعا الخرطوم. الفائز، جنوب أفريقيا.

الباقون، مضحكون أو مزعجون. زعيق وهتافات فارغة وشعوب فقيرة تركب الطائرات والباصات بالآلاف لكي تصفق ضد بعضها البعض. وجماهير تنام على الأرصفة لكي تنكد على بعضها البعض. وفي النهاية المسألة كلها لا تتعدى ركلة كرة من المطاط في قفص من الخشب. وبعدها عاد الجزائريون إلى بلدهم منتشين بفرحة نصر سخيفة وعاد المصريون إلى أم الدنيا حزانى بهزيمة أكثر سخفا. وأعتذر أعتذر أعتذر، لهواة الكرة عن هذه التعابير. لكن ما حدث، من الألف إلى الياء، لم يكن مباراة في الكرة، بل كان مباراة في الجهل وفي الصفاقة وفي كشف الصدور البدائية والمريضة.

جنوب أفريقيا دولة «استقلت» منذ حوالي العقد. سكانها ثلث سكان مصر، لديها ثروات طبيعية لكن أين منها النفط وغاز الجزائر. وتجربة جنوب أفريقيا في العقد الماضي تفوق تجارب الدول العربية الأفريقية الثلاث، في الاقتصاد وفي النمو وفي العلوم وفي السياحة وفي التربية.

بلغ ثمن تذكرة المباراة في الخرطوم مائة ألف جنيه سوداني! وهو رقم يعادل مليار دينار عراقي. أو ألف مليار دينار صربي. أي لا شيء. لأن الدول التي تسلم نفسها للحروب الأهلية تسلم كرامتها النقدية للمطابع. ما حدث خلال الأيام الماضية كان عرضا مشتركا لسذاجة الشعوب. مجموعات من الفقراء يعتقدون أن الشارع للصراخ لا للعمل والإنتاج. هل انتبهنا إلى أن عشرات الآلاف الذين جاءوا من مصر والجزائر، إما أنهم لا عمل لهم، وإما أنهم تركوا أعمالهم؟

سوف يخجلون جميعا عندما يذهبون إلى جنوب أفريقيا. عندما يرون مدنها وطرقاتها ومنتجعاتها. عندما يكتشفون أن دخل الفرد فيها خمسة أضعاف دخل الفرد المصري والسوداني، ويزيد 30% على دخل الفرد الجزائري برغم احتساب النفط والغاز وخيرات الأرض والمياه. لماذا رقص الجزائريون فرحا في مدن فرنسا؟ هل يستحق الانتصار على الفريق المصري كل هذا الابتهاج الوطني؟ هل تستحق المسألة أن يفاخر السودان باستضافة هذه المبارزة بالأقدام والصراخ والزعيق؟ أليست القضية كلها في نهاية المطاف، مباراة «حبية»، «رياضية» بين «أشقاء» كما يطيب للعرب أن يسموا أنفسهم، ما بين شمال أفريقيا وجنوبها؟