دعوهم يغضبوا

TT

لابد أن أعترف أنني كنت منحازا إلى مصر، وكنت أتمنى أن تتأهل إلى كأس العالم، ليس كرها في فوز الجزائر، أو حتى اهتماما بالبطولة، بل فقط لأن المصريين عندهم القدرة على الجذب الجماهيري، وهذا سر من أسرار الإعلام الناجح اللعب على عواطف الجماهير. طبعا أفسد أبطال الجزائر أمنيتنا، ودارت معركة تاريخية كانت لسوء حظ السودانيين أنها على أرضهم.

ولو نظرنا إلى المشكلة الجماهيرية، بملاحقها السياسية والإعلامية والشخصية، لفهمنا أنها لم تكن مجرد عقول فارغة بل مبررة وتتجاوز الكرة والقدم. جماهيريا ظن المصريون بحساب جغرافي بسيط أن لهم الغلبة فالجزائر بعيدة عن السودان بما يكفي لمنعها من التواجد، فحج ثلاثة آلاف مصري إلى الخرطوم، في حين هيأت الجزائر جسرا جويا ونقلت عشرة آلاف مشجع من مواطنيها المتحمسين إلى هناك. فغصت العاصمة السودانية في ليلة واحدة بآلاف المتعصبين من الجانبين، لكن الميزان كان لصالح الجزائر، ثلاثة لواحد. وبعد الهزيمة المرة للمنتخب المصري من الطبيعي أن يلجأ المهزومون إلى لوم الحكم والدولة المضيفة والجماهير العدوة، فهذه من تقاليد الكرة العربية في كل مكان بلوم الآخرين على الهزيمة. ومع أنني لست ناقدا رياضيا أظن أن المنتخب المصري كان ضحية الضغوط الهائلة التي مورست عليه من قبل الجميع في مصر نفسها، حيث حمل مسؤولية ثقيلة تفوق ما يتحمله أي مسؤول آخر في البلاد. ومن الطبيعي تحت هذا الكم الهائل من الشحن والضغوط والمطالبة بالانتصار أن ينهار الفريق. ومن المؤكد أن من سيخسر المباراة سواء المنتخب المصري أو الجزائري ستدور معركة بشرية بعدها، ومن الطبيعي بعد التوقعات العالية أن ينفجر الشارعان المصري والجزائري، وكان ذلك في الخرطوم أولا.

الحقيقة أن في كل طرف من لعب دور المحرض وإشعال النار ونقل المسؤولية. المسؤول الأول عن الهزيمة يفترض أن يكون المنتخب، والمسؤول الثاني هي إدارة فريق المنتخب المسؤولة عن وضع استراتيجية اللعب، والمسؤول الثالث الإعلام الذي وعد الناس بفوز لم يحدث وهكذا، حتى السياسيون مسؤولون عن ما حدث لأنهم كانوا يريدون الركوب على أكتاف اللاعبين لو فازوا ويحملون معهم كأس النصر. بعد الهزيمة، اللاعبون والمدرب والإدارة والإعلام والسياسيون نقلوا المسؤولية إلى الجماهير.

والحقيقة أن الجزائر ليست بريئة من الاستغلال السياسي فهي صمتت سلبا، ولدى السياسيين الجزائريين أيضا رغبة في التكسب من وراء الانتصار الكروي، وجعلوا اللاعبين يشيدون بالقيادة السياسية في كل تصريحاتهم مع أنني أشك أن أحدا من القادة في الجزائر يفهم شيئا في كرة القدم، لكنهم بطبع السياسيين ثعالب ماكرة لا تفوت فرصة ادعاء الانتصار في وقت تتهرب من مسؤولية الهزيمة.

أما الإعلاميون فقد وجدوا أنفسهم في سوق المشاهدة والقراءة واللعب على عواطف المهزومين والمنتصرين. ولابد أن ليلة الهزيمة في مصر وليلة النصر في الجزائر كانت من أعلى ليالي المشاهدة في حساب التلفزيون مقارنة حتى بليالي رمضان. مع هذا لا داعي للقلق لأن شيئا لن يحدث بعد، مجرد فقاعة رياضية، فكم من مرة هزمت منتخبات وثار الشارع وأحرقت السيارات وضرب الجماهير بعضهم البعض، ونسيت بعد أسبوع.

[email protected]