الحرس الثوري وعسكرة الطائفية

TT

مع كل حالة تمرد وموجة إرهاب جديدة تجتاح بلداننا العربية، سرعان ما نكتشف بأن خيوطها إيرانية، عندها يتجدد الحديث والتبرير المكرر، من قبل جماعات الإسلام السياسي الحركي وعلى رأسهم فئة من جماعة الإخوان المسلمين، أو من قبل بعض المحللين السياسيين، من خلال نظرتهم للأسباب التي تدفع نحو التمرد، والإرهاب ورفع السلاح في وجه الدولة.

فيأتي من يأتي مدعيا الموضوعية والحياد السياسي والفكري أو النصح الإخواني الإسلامي، فيمطرنا ببيانات، وتحليلات اجتروها، من حقب وصراعات فكرية ماضية لا يمكن بأي حال من الأحوال تطبيقها على واقع الحال لهذه الحركات الإرهابية وحالات التمرد لدينا في وقتنا الحاضر.

فنجدهم يتحدثون عن تهميش، وحرمان، وأنها هي السبب الرئيسي في وجود الإرهاب والتمرد، وكأنهم بذلك يرددون شعارات الحرس الثوري الإيراني، في استراتيجيته التوسعية، وتدخله في بلداننا، تحت شعار نصرة المستضعفين ومساعدة المحرومين، وهي الشعارات التي انخدع بها البعض من المواطنين العرب اليوم، كما انخدعوا سابقا بشعارات الشيوعية، ودفاعها عن الطبقة الكادحة من البروليتاريا وحمايتها من جشع وظلم الرأسماليين إلخ. فجرتهم تلك الشعارات الشيوعية نحو مستقبل مظلم دفعت ثمنه بعض الشعوب العربية إلى وقتنا الحاضر.

أظن أن الفكرة، وببساطة متناهية، باتت واضحة في ذهن القارئ المتابع والفطن لهذه الحركات وأهدافها، ولكن ما هو غير واضح، وغير مفهوم تماما، هو هذه البكائية والتبريرات التي تظهر على السطح. كلما وقعت واقعة في بلداننا، يتكشف من بعدها، أن من يدعمها هو الحرس الثوري الإيراني وآخرها الاعتداء الحوثي على الحدود السعودية.

ومكمن الاستغراب هو هل تبرير التمرد والإرهاب وحمل السلاح على الدولة والاعتداء على سيادة الدولة، مقصور فقط على ما يحدث في بلداننا؟ التي لديها من التنمية والمساواة النسبية بين كل الطوائف ما لم يتوفر لدى الكثير من دول العالم الثالث، وخاصة إيران!

ليقل لي أحد بربكم، هل سبق وأن سمعتم مسؤولا، أو كاتبا إيرانيا، أو أحد أعضاء الجماعات الإسلامية السياسية الحركية، في عالمنا العربي، يتحدث عن الوضع المأساوي لغير الشيعة الاثنا عشرية في إيران، بعيدا عن التصريحات العائمة، والمقالات الفضفاضة، وهل رأينا أحد ملالي طهران، يقرر بتعدد المذاهب والأفكار في إيران، بعيدا عن أحادية الاثنا عشرية، التي تمثل دائما في نظرهم محور الخير فيما الآخرون كلهم هم حطب جهنم.

والأخطر من ذلك، ما هو نوع الممارسة الفعلية التي يمارسها الحرس الثوري بحق الأقليات غير الاثنا عشرية في إيران، الشيعية والسنية وغيرهما، وهل سلطنا الضوء على تهميشها وحرمانها من حقوقها البسيطة، بل وتصفيتها ومحو هويتها.

وهل حمل السلاح من قبل هذه الأقليات المهمشة والمضطهدة في إيران ضد الدولة، يجد نفس المبررات لدى من برر حمل السلاح ضد الدولة وتمرد عليها في بلداننا العربية؟ وهل يا ترى قدمت الثورة الإيرانية النموذج المثالي للدولة المسلمة كما تدعي؟ أم أنها فقط أحلام طائفية سرعان ما انكشف عوارها.

باختصار شديد يا سادة، ليس لدينا مشكلة مع الشعب الإيراني بكافة طوائفه وأعراقه، سنة وشيعة، مسيحيين أو يهودا، كردا أو فرسا، كما أنه ليس لدينا مشكلة مع طموحات إيران لتصبح قوة إقليمية، وهذا حق مشروع لها، شريطة أن تحافظ على حسن الجوار وعدم التدخل في شؤوننا الداخلية.

كما أنة من حقنا، نحن أبناء هذه المنطقة سنة وشيعة أن نطالب إيران بأن تتصرف كدولة، وليس كحزب طائفي يسيّره الحرس الثوري الذي لا يمل ولا يكل في إعطائنا دروسا صباح مساء في نصرة المستضعفين والمحرومين! ويتدخل في شؤوننا الداخلية وعسكرة طوائفنا باسم الإسلام ومحاربة الاستكبار العالمي، لتحقيق مكاسب إقليمية سياسية، على حساب استقرارنا ولحمتنا الوطنية.

مشكلتنا يا سادة، ومشكلة العالم، بل والإيرانيين أنفسهم، هي الحرس الثوري الإيراني وعقيدته الطائفية المتطرفة، وعسكرته لكل شيء، ليس في إيران فقط، بل وفي المنطقة كلها، بدءا من السياسة وانتهاء بالاقتصاد، وأخطر هذه العسكرة هي عسكرته الطائفية لأحزاب وجماعات سياسية في بلداننا. فهل استوعبنا تلك الدروس الخصوصية التي قدمها وما زال يقدمها لنا الحرس الثوري! أم أن الغباء السياسي ما زال يلازمنا؟