كُرَةٌ وكُرهٌ: مصر والجزائر!

TT

جنون رافق مباريات منتخبي مصر والجزائر طيلة الأسبوع الماضي. غطت أخبار الفريقين والمباريات ـ وبالذات في بلديهما ـ على أية أخبار أخرى. لا أخبار تشكيل الحكومة اللبنانية ولا العراق ولا الحوثيين ولا حتى أخبار فلسطين نافست عند الكثيرين أخبار اللقاء الحاسم بين المنتخبين للتأهل لكأس العالم.

لكن الأغرب من هوس متابعة اللقاء كان الجنون الذي رافقه، والذي أزّم العلاقات بين الشعبين ـ ولا نبالغ إن قلنا بين الدولتين «الشقيقتين». شغب في الجزائر العاصمة طال المصريين العاملين هناك، واعتداء على حافلة المنتخب الجزائري في القاهرة، واشتباكات بين الجماهير في الخرطوم، واستدعاء لسفيري البلدين من قبل وزارتي خارجيتهما، بل طال الشغب فرنسا، حيث تعيش جالية جزائرية كبيرة وجالية مصرية أقل عددا.

الغريب أن الأجواء استحضر فيها التاريخ والجغرافيا والاستعمار الفرنسي للجزائر ومعاهدة كامب ديفيد المصرية ـ الإسرائيلية. أجرت إذاعة «البي بي سي» العربية صباح الأربعاء الماضي لقاءات مع جزائريين ومصريين في البلدين تسألهما عن توقعاتهما عن المباراة: هذا يشيد بحضارة الفراعنة التي توجب انتصار مصر، وذاك يستذكر المليون شهيد في مقاومة الاحتلال الفرنسي بالجزائر كمبرر لفوز منتخب بلاده! ولم يقل أحد منهم أنه يتوقع ـ أو حتى يتمنى ـ الفوز للفريق الأفضل!

فرضت الأجواء الكروية مراجعة في علاقة كلمتي الكُرة والكُرْه. معروف أن التشابه في الشكل يعكس غالبا تشابها في المعنى، فما الرابط بينهما في هذه الحالة؟

الكُرْه معروف بأنه عكس الحب، وهو يعني الإجبار فيقال: «مكره أخاك لا بطل»، وتسمى الحرب بالكريهة، وقال تعالى: «كتب عليكم القتال وهو كره لكم». والمكروه عكس المحبوب أو المستحسن، ولا يبدو من علاقة بين الكُرْه والكُرَة سوى الشكل الظاهري، لكن مصدرهما متتابعان في القواميس العربية، فالكُره من كَرِه والكرة من كرو، ومن الثانية اشتق التكوير والكرى بمعنى التأجير. والكرة تلفظ بالكورة باللهجات العربية، فلقد مُدّت ضمة الكاف وأصبحت واوا، وهي بالعراق تسمى «طوبة» وهو تغيير لمعنى الطوب ـ بمعنى لَبن البناء الذي قد يكور من الطين والقش. ويسمي كبار السن في الخليج الكرة «طمباخية»، ولعل الاسم مشتق من صوت ضرب الكرة بأرض صلبة أو حائط. كانت كرة أطفال البدو الرحل مصنوعة من الغزل الملفوف على بعضه البعض ليشكل كرة يسمونها «درباحه».

محّيرٌ هذا الكم الهائل من الكُره الذي تفجر بين جماهير فريقي مصر والجزائر، مما انعكس سلبا على علاقات بلديهما! أين الأخوة والعروبة والدين والروح الرياضية؟ لقد أصبحت أثرا بعد عين، أو «فص ملح وداب» كما يقول المصريون، وبسبب ماذا؟ أكل هذا بسبب الكُرة؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

المعارضون السياسيون في البلدين ربطوا الشحن الإعلامي «بالمؤامرة» المتعمدة: في مصر فقالوا إنها مؤامرة لتمرير مسألة توريث الرئاسة، وفي الجزائر قالوا بأن الشحن «المخطط» هدفه التغطية على «عصابة الـ17»، في إشارة إلى احتكار التجارة ورموز الفساد. أما السودان فقد رأى في إقامة المباراة على أرضه فرصة لتبديل الصورة التي ربطها الإعلام العالمي عنه بدارفور، وكان يهم البعض أن يقال إن السودان ينظم مباراة دولية.

رحت أبحث عن رابط بين الكُرْه والكرة فلم أجد رابطا لغويا يفسر العلاقة بينهما لفهم ما رافق مباريات مصر والجزائر، صحيح أن هذه «الحرب» الكروية لم تنفرد بها الدولتان «الشقيقتان» ـ فقد سبقتهما هندوراس والسلفادور عام 1969م، ولكن الأصح أننا بحاجة لفهم العلاقة بين كرة القدم والكُرْه الذي تفجر بين الجزائر ومصر، فمن الواضح أن «القلوب مليانة».

مبروك للفريق الجزائري، وهاردلك لنا جميعا!