إيران تعلنها صريحة

TT

لأول مرة وبعد سنوات من المفاوضات التي أرهقت وكالة الطاقة الذرية الدولية، ودول مجلس الامن الخمس الدائمة العضوية زائدا ألمانيا، قالت السلطات الإيرانية صراحة: لا، لن تشحن ما جمعته من اليورانيوم الى الخارج. تخلت عن إحساسها السابق بالحاجة الى المراوغة، والفضل هذه المرة للرئيس الأميركي باراك اوباما الذي ساير الإيرانيين تقريبا في كل مطالبهم حتى تجرأوا على الرفض الصريح.

امتحنوا أوباما منذ اليوم الاول عندما قالوا إنهم يرفضون التعالي الأميركي، وما يفرضه من شروط للحوار، فقرر أوباما السماح لكبار مسؤوليه بالجلوس مع الإيرانيين مباشرة. قالوا إنهم يريدون المزيد من التفاوض رغم انهم بلغوا طريقا مسدودة، فوافق. قالوا انهم يرفضون التلويح بالحل العسكري، وامتنع أوباما تماما حتى عن استخدام جملة اعتاد الأميركيون التهديد بها، بأن الحل العسكري على الطاولة، وكان يستخدمه الرئيس السابق في تهديد إيران. وشبت المظاهرات والقمع وجلس أوباما ساكتا على ما يحدث في طهران لا ينتقد الإيرانيين الا بحذر عبر وزارة الخارجية. وحتى عندما كشف عن سر مفاعل قم لم يظهر أوباما قدرا من الغضب والصرامة، كما ظهر على تقاسيم وجه رئيس فرنسا، ووجه رئيس وزراء بريطانيا اللذين وقفا الى جانبه ذلك اليوم. وقبلها عندما تعثرت المفاوضات دعم أوباما سلة المساعدات المقترحة لإيران. وعندما طلب الجميع، بمن فيهم الروس، من إيران تنفيذ اقتراحها بنقل اليورانيوم ليخصب خارجيا اشترطوا شحن ثلثي الكمية فقط، ووافق الجانب الأميركي رغم الانتقاد الحاد لأوباما في واشنطن، كيف يترك للإيرانيين كمية كبيرة يخصبونها سرا داخليا. وعندما زاد الدلال الإيراني وأعلنت طهران أنها الآن ترفض تخصيبها في فرنسا لأنها لا تثق بالفرنسيين، وافقت حكومة أوباما على ان تكون تركيا، صديقة إيران، مكانا لتخزين اليورانيوم الإيراني وتعطى مقابله كمية مخصبة جاهزة. سلسلة نعم من أوباما عمليا عرت الإيرانيين، ولم يعد أمام السلطة الإيرانية ما يغطيها بعد أن سقطت آخر ورقة عنب، سوى أن يعلنوها صريحة كما فعلوا أول من أمس، لا لن نسلم يورانيومنا لأحد، ولتذهبوا الى جهنم.

الآن العالم كله يراقب أوباما، وهنا التحدي، لقد مرغ الإيرانيون أنفه في التراب منذ اليوم الأول وهم يغمرونه في الوحل. لنتذكر أن العالم كله يتفرج!

الانطباع العام في البداية أن أوباما رجل جديد في البيت الابيض يحمل رسالة ومشروع مصالحة تمثل وجها جميلا جديدا للولايات المتحدة، الا أن التحدي الإيراني والكوري الشمالي والإسرائيلي بدأ يصوره كرئيس عاجز، يبدو مترددا حيال زيادة عديد قواته في أفغانستان مع أنه وعد بزيادتها، وقدم الكثير من التنازلات للإيرانيين الذين لم يشبعوا، وعجز عن الزام إسرائيل بوقف المستوطنات التي افشلت مشروع السلام، حتى صار يقال إن الرئيس لن يردع ولن يقاتل، وسيقدم المزيد من التنازلات، وأن ما فعلته إيران بالرئيس أوباما ما كانت تجرؤ على فعله بسلفه بوش.

بغض النظر عن الحقيقة فإن صورة الشخص في أحايين كثيرة أهم من حقيقته، ولو كانت الصورة أن ساكن البيت الأبيض ضعيف الشخصية فسنرى المزيد من التحديات الخطرة، ومؤشراتها قائمة.

[email protected]