وطنية التسعين دقيقة!

TT

لكرة القدم وجوهٌ جميلة، فهي فن، ورياضة، وخلق، وتواصل بين المجتمعات، لكن لهذه الكرة وجهها المشوه أحيانا، حينما تنحرف عن مسارها الطبيعي لتغدو مسببة للعنف، والنزاع، والتوتر، وأكبر شاهد الأزمة التي سببتها الكرة بين مصر والجزائر، على إثر الشحن المتواصل من قبل بعض وسائل الإعلام، رغم ما بين البلدين الشقيقين من أواصر تاريخية مثالية وخاصة.

قد يقول قائل إن هذه النزاعات الكروية خاصية عربية، والحقيقة أنها ليست كذلك، فهي للأسف إشكالية عابرة للدول والقارات، إذ تسببت هذه الساحرة المستديرة ذات يوم في إشعال حرب بين السلفادور والهندوراس ذهب ضحيتها أكثر من 14 ألف شخص بين قتيل وجريح، وفي إيطاليا بلد الجنون الكروي يصف كارلو فيرديللي، رئيس تحرير صحيفة «لا غازيتا ديللو سبورت» أجواء الكرة الخطرة التي تسود إيطاليا فيقول: «وصلنا إلى جو من الخوف والارهاب في الملاعب يستدعي حراسة الشرطة وتدخلها لمنع أعمال العنف»، وما أكثر ما تتحمله الشرطة الإيطالية من عناء، وهي تصادر فؤوسا، وسكاكين، وهراوات، ومفرقعات نارية قبل أي مباراة هامة. حتى البرازيل سيدة الكرة في العالم باتت تتصدر قائمة الحوادث الأكثر مأساوية المرتبطة بكرة القدم، حيث لقى 42 مشجعا حتفهم خلال العشر سنوات الماضية، وفي نيجيريا البلد الأفريقي الكبير قتل قائد فريق بابيلسا يونايتد بطلق ناري بعد ساعات من فوز فريقه بلقب الدوري في بلاده، واضطرت ألمانيا إلى إنشاء قوة خاصة مهمتها الأساسية مكافحة الشغب المرتبط بكرة القدم في الملاعب الألمانية.

وتعتبر مسابقة كأس الأمم الأوربية مسرحا للكثير من حوادث العنف، التي تتسبب فيها ما وصفت بظاهرة «وطنية التسعين دقيقة»، حينما تنسكب في دواخل جمهور المنتخبات الأوربية، خلال أوقات المباريات جرعات من الوطنية المتعصبة غير الراشدة التي تتجاوز المألوف، والمعتاد، والمنطقي فتغدو كرة القدم أشبه بحرب يخوضها جمهور البلدين، ويفرغون فيها الكثير من شحنات غضبهم.

وكنت أتحدث قبل أيام مع صديق عن ظاهرة تنامي العنف في كرة القدم فقال: ماذا تنتظر من لعبة يحوي قاموسها مفردات وتعابير مثل «رأس حربة»، «هجوم»، «دفاع»، «خطط»، و«تكتيكات»، إنها نفس المفردات التي تستخدم في الحروب.

فهل ينقذ العقلاء هذه الساحرة المستديرة من هيمنة المشاغبين، والمجانين، والموتورين؟